للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جارحة "اللسان" التي هي جزء لا ينفصل عن الفاعل الذي أسند إليه ههنا "التذوق"، وهو أنا أو أنت أو هي، الذي تدل عليه "التاء" الأخيرة في "تذوقت".

وإذن، فقد أصبح قولنا "تذوقت الشعر" قولا مهددا تهديدا مخوفا، بأن يُؤخَذ، بمرة واحدة وبِرُمَّته، فيُلْقَى على ركام مطروح بعضه فوق بعض من الكلام الساقط المرذول الذي فقد التجانس والتطاعم بين طرفيه، وليس ينجيه من هذا المصير الكئيب، إلا أن نتلمس صاحبا شهم الشمائل نافذ الجراءة يخف إلى نجدته، لا لينتشله من الغرق في معاطف الإبهام والغموض بل لينتاشه قبل كل شيء من دنس الهلاك قبل أن يهوى في قرارة السقوط والخساسة.

وهذا مطلب شريف، لأنه لفظ عزيز على وعليك أيها العزيز. ولكي نهتدي إلى هذا "الصاحب" الذي يملك من النخوة والشهامة والجراءة، ما يحفزه ليثب مسرعا إلى استنقاذه من التهلكة الموبقة، أراه لزاما أن نريح هذين اللفظين "تذوقت الشعر" من كل عناء يوجبه التنقير والتفتيش عن هذا "الصاحب"، وذلك يقتضينا أن نرفه عنهما بتنكُّب طريق التدبر والتأمل والتحليل: الذي يؤدى بنا إلى إنهاكهما إنهاكا مفضيا بهما إلى التلف والبوار. وتنكبُ هذا الطريق، فيما أرى، واجب على كل ذي مروءة، لأنه طريق مسدود على سالكه، في نهايته هوة لا ينجو عليها ناج، مهما حاول وأراغ المهرب.

أما الطريق الآخر، فلست أحب أن أشق عليك فتشدّ رحالك بأنس الصحبة، فأغرر بك في سلوكه معى، فإن للصاحب في السفر ذمة ينبغي أن يرعاها صاحبه، بأن يكاشفه بغوائل الطريق وجوائحه (١) قبل ارتكابه. فهذا طريق قديم كنت قد سلكته منذ دهر طويل، في زمن محنة "الشعر الجاهلي"، التي ألقت بي بغتة في الأمر المخوف المهوب الذي تنخلع عنده القلوب، وهو إعادة النظر في شأن "إعجاز القرآن". نعم، قد نجوت قديما، بحمد الله وبرحمته، من غوائله ولمَّا


(١) الجوائح: المصائب المهلكة.