للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ملائكته أنه لا إله إلا هو العزيز الحكيم. فأي شرف هذا وأي تكريم؟ سبحانك، تباركت ربنا وتعاليت.

وما بلغتُ هذا المبلغ من ظهور سلطان هاتين القدرتين الغامضتين على جميع ما في الإنسان من قُوى، حتى استبان لي أن حياة هذه القُوى حياة يمكن أن نتبينها نحن، متوقف كل التوقف على وجودهما في الحلقة المفرغة التي اندمجن فيها جميعا، والتي لا تقبل الفصل وتستعصى على التقسيم. وإذن، فهاتان القدرتان أحقهن جميعا أن تكون أول من يبلغه السمع من الكلام المسموع. أحق من العقل، ومن القلب، ومن النفس، أي هما أحق قُوَى الإنسان جميعها بذلك. فهذا جواب السؤال عن "الأذن": إلى من تبلغ ما تسمع؟

والذي نجده في أنفسنا عند سماع الكلام البليغ المبين من الشعر وغيره، شاهد على صحة ذلك مقبول الشهادة إن شاء الله. يسمع أحدنا البيت المستجاد من الشعر فتأخذه بغتة عند سماعه هِزَّة وأريحية، ثم يردده في نفسه مرة بعد مرة، فربما مضت الأيام والليالى وهو لا يزال يتوغل في استحسان لفظه وما يتفجر منه من المعاني، ثم ينتبه مرة إلى عيب يشوبه أو يشينه. فالهِزَّة والأريحية توشك أن تكون من وقع هذه الألفاظ المركبة جملة واحدة على أوتار هاتين القدرتين الغامضتين الساريتين في الحلقة المفرغة، وهما صاحبتا السلطان فيها = أما الاستحسان وتفجُّر المعاني من الألفاظ، فيوشك أن يكون من اشتراك قُوَى الحلقة المفرغة جميعا، وهي تحت سلطان هاتين القدرتين في تقليب الألفاظ المركبة وتفليتها والتدسس في ثناياها وأغوارها مرة بعد مرة = وأما ظهور ما يشوبها من عيب أو يشينها، أي الحكم عليها، فيوشك أن يكون إعلانا لسطوة العقل وقدرته المطلقة على التبين والتمييز، حين استوى له، بعد لأي، أن يظهر سلطانه على جميع قُوى هذه الحلقة المفرغة. وهذه المراتب الثلاث في تجربتى، كادت تكون واضحة عندي كل الوضوح.

ولما بلغتُ هذا المبلغ، وجدته ظاهرا عندي أن "القدرة على النطق"، "والقدرة على البيان"، تعتمد إحداهما على الأخرى اعتمادا شاملا كاملا، كما