عليه جماعة من المقلدين في ديار الشيعة، فجادلهم وصاولهم، والتزم بعقيدة السلف، وحرم التقليد، وذهب في بيانه مذهب الحافظ ابن عبد البر حيث قال:"التقليد غير الاتباع، لأن الاتباع هو أن تتبع قول القائل على ما بان لك من فضل قوله وصحة مذهبه. والتقليد أن تقول بقوله وأنت لا تعرفه ولا تعرف وجه القول ولا معناه، وتأبى مَن سواه وإن تبيّن لك خطؤه فتتبعه مهابة خلافه، وأنت قد بان لك فساد قوله. فهذا يحرم القول به في دين الله.
فكان قيام الشوكانى، في محيط الشيعة الزَّيدية، صبحا جديدًا يوشك أن يهز قواعد التعصب الذي درج عليه أصحاب المذاهب من أهل السنة، فضلا عن أتباع الفرق المختلفة وعلى رأسها الفرقة الغالية من الشيعة المعروفة باسم "الاثنا عشرية" المكفرة للصحابة وللأمة كلها، باختيارها أبا بكر ثم عمر، ثم عثمان -رضي الله عنهم-، دون علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.
أوجزت القول في هؤلاء الأربعة العظام، لأن استجابتهم للتحدى المبهم كانت مقيدة في كتب خلفوها، أو أعمال كان لها دوى لا تزال آثاره باقية إلى اليوم، ولأن بشائر البعث والإحياء في كتبهم وأعمالهم أظهر من أن تخفي على أحد، ولا يكاد يجادل فيها إلا من وقع في شرك الرفض لماضيه كله، أو من يغمض عينيه ويعمد إلى الاستخفاف بها بلا تدبر، بل بالتهور واللجاجة. وإذا كنا بالأمس منذ قرون قلائل، صرعى غفلة وفي وَسَنٍ غالب، وعلى الأبواب عدو مدرب، كان أكثر يقظة، وأسرع حركة، وأغني غني، وأقدر على السلب والنهب والتدمير والفتك كما وصفت، فنحن اليوم أيضًا صرعى غفلة أبشع من غفلتنا الأولى، لا نكاد نحس كما أحس أسلافنا، والعدو لا على الأبواب، بل هو متغلغل منتشر يسرح في صميم هذا العالم العربي الإِسلامى المترامى الأطراف، وقد تفوق على أسلافه تفوقا لا يكاد يصدق، في اليقظة المفترسة، وفي وضوح الهدف، وفي سرعة الحركة، وفي الغنى الباذخ، وهو أقدر قدرة ضارية على النهب والسلب والتدمير والفتك، ولا يزال بين يديه، بل ملء قلبه وعقله دستور