للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الإسلام من نواحيها وأتمها، وأحسن سياستها، ونفي عنها خبثها -هي التي تستطيع أن توجد على الأرض حضارة تملأ الأرض عدلًا كما مُلئت جَورًا، وتفيض بها رحمة كما فاضت غلظة، وتجعلها طريقًا للإنسانية تخرج به من ظلمات الباطل والبغي والغرور إلى نور الحق والتواضع والمساواة. ويومئذ لا يقتتل الناس من أجل سلب الحق للزيادة في أنفسهم وجنسياتهم، بل يقتتلون -إن هم اقتتلوا- من أجل إعطاء الحق وردِّه على أهله مهما اختلفت جنسياتهم، ولا فضل لأحد على أحد إلا بما يحسن هذا ويسئ ذاك، ويصبح القانون العالمي، قانون الحق يستقر حيث ينبغي أن يستقر.

إن العالم الآن ليقتتل على غير غرض إنسانيٍّ كامل مقرّرٍ لا يشذ على غاياته ومبادئه أحد. إنه يقتتل على طعام يؤكل، بل على هذا الطعام كيف يُؤكل. فليس لهذه المدنية الأوربية إلا معنًى جنسيٌّ مُتَعصِّبٌ تدافع عنه لنفسها لا للإنسانية كلها، لا يشك في ذلك إلا من طمس الله على بصيرته، وقادته أهواؤه وغرائزه دون عقله وواجبه. وما هذا التوحش الحيوانيُّ في هذه الحرب إلا نتيجة طبيعية للفكرة القومية المستقلة التي لا تريد إلا أن تستولي على أعظم ما يمكن أن تضع يدها عليه لتستمتع بالحياة والشهوات والسلطان.

أما الإسلام -وهو روح الشرق من أقدم عصوره على اختلاف أديانه وأجناسه- فقد وضع كل مأثرة قومية جاهلية تحت قدمي صاحب الرسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وسوّى بين الناس من أهله وبينهم وبين أهل ذمته وعهده، واختار المسلمين ليكونوا شهداء على الناس، فيكونوا قضاة يحكمون بالعدل لا يبغون ولا يجورون، وجعلهم دعاة يدعون إلى مبدأ يتساوى عليه الناس، فمن دخل فيه فهو منه، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، وكتب عليهم القتال وأمرهم به، وعظم الجهاد في نفوسهم، ولكنه قتال على دعوة إلى هذا المبدأ وجهاد في سبيله وحرم عليهم العدوان ابتغاء عرض الحياة الدنيا وزينتها وشهواتها.

فالمسلم من دينه في قانون إنساني كامل، لا يعمل للجنس أو الفرد أو السلطان والسيطرة، بل يعمل لإعطاء العالم كله روح المساواة، قد تحاجزوا