للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوتها صلاحٌ للأمة العربية وشدٌّ لأَزْرها. أيقن الأستاذ شاكر أن هذا الإصلاح في كافة مجالاته "موقوف على شيء واحد، على ظهور الرجل الَّذي ينبعث من زحام الشعب المسكين الفقير المظلوم، يحمل في رجولته السِّراج الوهَّاج المشتعل من كل نواحيه، الرجل المصبوب في أَجْلاده من الثورة والعنف والإحساس بآلام الأمة كلها، وآلام الأجيال الصارخة من وراء البنيان الحيِّ المتحرك على هذه الأرض الَّذي يسمى في اللغة: الإنسان" (١). كتب هذا الكلام في أعقاب ثلاث مقالات كتبها الدكتور هيكل والدكتور طه حسين والأستاذ أحمد حسن الزيات، وبلغ من ازدراء الدكتور طه لحالة الفساد التي انتشرت في مصر أن اقترح ساخرًا إنشاء "مدرسة المروءة" حتَّى يتعلم جيل ذلك الزمان غير ما نشأ عليه من سفاسِف الأخلاق، وتحطَّمت عنده مكارمُ الإنسانية النبيلة، وامتاز عظماؤه وصغاره باعتبار الأخلاق ضربًا من التجارة يُلَبِّسها الغشُّ والخِلاب والمواربة. ولكن الأستاذ محمود شاكر رأى أن التهكم في هذا الزمن المائج بصنوف العذاب والآلام والبلاء لا يجدي في الإصلاح شيئًا، وإنما الإصلاح موقوف على خروج رجل فرد من عُرْض الشعب عانى ما يعانيه الناس آنذاك. ثم كتب الأستاذ محمود المنجورى مقالًا (٢) في العام (سنة ١٩٤٠) الَّذي نُشِرت فيه المقالات السالفة الذكر تحدث فيه عن عهد الاحتلال وما صنعت سياسته في أخلاق مصر وتعليمها، وكيف حطم بجوره وعُدْوانه كل الصلات القوية التي يعتمد عليها ترابط الكيان الاجتماعي، فتمزقت الجهود المصرية في الإصلاح، واستبدت الشهوات الجارفة بأخلاق الطبقات على اختلاف مراتبها، ففشل الاجتماع المصري في إرادته، وقام على أساس فاسد من الأخلاق حتَّى صار أكثر ما يرمي إليه كل شخص غرضًا فرديًا لا سَهْمَ له في البناء الاجتماعي للأمة، ومن هنا استبدَّ مَن آنس في نفسه قوَّة، فصار كل فرد بأنانيته


(١) من مقاله بعنوان "الإصلاح الاجتماعي" المنشور بمجلة الرسالة، عام ١٩٤٠، انظر المقالات ١: ٥٤ - ٥٥.
(٢) نشر في "السياسة الأسبوعية"، العدد ١٥٥، سنة ١٩٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>