للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يريد هدم عمل الأوَّل لينفرد بالأحدوثة والصِّيت. وامتدت هذه العدوى إلى الحكومات المصرية التي تعاقبت فشَرَعت ووَعَدت وسارت، ثم خَلَفتْها أختُها لتنقض كل ذلك وتبدأ من جديد بلجانها ومشروعاتها، وهكذا دواليك. ويتعجب من ذلك الأستاذ شاكر متساءلًا "فهل في الذين يصير إليهم السلطان الوازع العامل من يستطيع أن يتجرَّد لمكافحة هذه الأوبئة، ولو كان في كفاحها كفاحٌ لنفسه وشهواته وأغراضه؟ " هيهات! وهو سؤال يعرف الأستاذ شاكر سلفًا إجابته قبل أن يلفظ به، والسؤال الحقيقي عنده هو "هل تَجِدُ مصر أخيرًا طبيبها المغامر؟ ليتها تجد" (١). فهو لا يزال يؤمن أن الإصلاح لن يكون إلا على يد رجل مغامر طَبٍّ خبير بأدواء هذا الشعب المسكين. ولكن هذا الشعب المسكين ما هو إلا جزء من أمة كلها تعاني ما يعانيه، غير أنَّ في هذا الشرق ميراثًا نبيلًا من السمو والفُتّوة والقدرة على البقاء، ولكنه يفقد "زعيمه الَّذي يُهبّ من جماعاته كالأسد تنفرج عنه الأجمة الكثيفة عالي الرأس حديد النظرة، تتفجر القوة من أعضائه" (٢).

وظلت مصر والعالم العربي والأستاذ شاكر في انتظار خروج هذا الرجل، وطال الانتظار ولكن الأستاذ شاكر لم يخامر قلبه شك قط، بل كلما امتد الزمان وطال البلاء تحوَّل ما كان يذكره مجرد ذِكْر ورجاء إلى يقين قاطع بيِّن. ففيما يشبه النبوءة كتب في مقال بعنوان "لَمنْ أكتب" هذه الأسطر بنور البصر المُوحَى من البصيرة "لَمنْ أكتب؟ لم أحاول قط أن أعرف لمن أكتب؟ ولِمَ أكتب؟ ولكني أحسُّ الآن من سِرِّ قلبي أني إنما كنت أكتب، ولازلت أكتب، لإنسان من الناس لا أدري من هو، ولا أين هو؟ أهو حيٌّ فيسمعني، أم جنين لم يُولَد بعدُ سوف يُقَدَّر له أن يقرأني؟ ولست على يقين من شيء إلا أن الَّذي أدعو إليه سوف يتحقق يومًا على يد مَن يُحْسِن توجيه هذه الأمم العربية والإسلامية (٣) "فأنا


(١) انظر مقال "العيد"، مجلة الرسالة، ١٩٤٠. وانظر المقالات ١: ٧٦.
(٢) انظر مقال "هذه هي الساعة"، مجلة الرسالة، ١٩٤٠، وانظر المقالات ١: ٢٠٤.
(٣) انظر مجلة الرسالة، ١٩٤٨، وانظر المقالات ١: ٥٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>