أممًا كثيرة غير مصر والسودان إلى أن تصفها بأشد مما وصفتها به مصر والسودان.
والعداوة التي بيننا وبين بريطانيا قائمة ما بقى في أرض مصر من منبع النيل إلى مصبه جندي بريطاني واحد، ولن نكفّ عن عداوتها وعن ذكر سيئاتها إلا إذا جلت جلاءً تامًّا عن كل مكان انتزعته من بلاد مصر والسودان بالكذب والمكر والخديعة والتدليس، ولن تكفّ ألسنة مصر عن وصف أعمالِ بريطانيا بأسمائها التي خلقت لها إلا إذا كفّت هي عن عُدوانها وأعطت كل ذي حق حقه. إنها عداوة باقيةٌ بيننا وبينها حتَّى تدعَ لنا أرضنا، وتدع للعراق أرضه، وتدعَ لفلسطين العربية أرضها، وتقاوم معنا كل باغٍ أعانته هي فيما مضى على بغيه وعدوانه، كالذي كان من أمرها في مسألة تونس ومراكش والجزائر وليبية وبلاد إفريقية التي أطلقت فيها يَدَ فرنسا وإيطاليا ليطلقوا لها يدَها في مصر وفي سوى مِصر.
بل إن جلاء الجنود البريطانية لن يكفي وحده أن يكون مَدعاة لنسيان تاريخ بريطانيا وأفعالها، لقد دخلت بريطانيا بلادنا وبلاد سوانا، فاستعانت بشذاذ الأمم الَّذي لا يجدون في بلادهم ما يأكلون، وجاءت بهم إلى مصر والسودان وكل أرض كتب الله عليها أن تبتلى ببريطانيا وسياستها الاستعمارية، وحمت هؤلاء الشذاذ وشدت أَزرهم وملكتهم الأموال والأرزاق، ونفخت في قلوبهم كبرياءَ الحقيرِ الَّذي علا بعد ضعةٍ، ومدت لهم مدًّا طويلا حتَّى صاروا سادة علينا وهم يأخذون ما في أيدينا -أي يسرقون ما في أيدينا. أتت بالشذاذ من كل أمة وجعلتهم جاليات وأقليات وفرضت على نفسها حمايتهم فيما تزعم، واستنكفت لهم أن يتقاضوا في محاكم البلاد التي آوتهم بعد تشرد، وميزتهم عن أبناءِ البلاد في كل شيء حتَّى في معاملاتها التجارية، حتَّى صارت لهم قوة المال وفجور المال وطغيان المال، فعاثوا في الأرض فسادًا، يفسدون بيوتنا، ويتعالَوْن عنا، ويحتقرون أبناءنا ورجالنا، ويسخرون من آدابنا وعقائدنا، ويطعنون في أخلاقنا، ويشتموننا في الطرقات وهم في حمى بريطانيا ذات المجد والشرف! !
وأكبر من ذلك أنها حَمت هؤلاء الشذاذ حماية أخرى ليكونوا لها جنودًا في