للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عما لقيت في منفاك، وإن الَّذي أنت فيه اليوم لهو نعمة مَنَّ الله بها عليك لتحمل مرة أخرى سيف الجهاد في سبيل أمته التي أنزلت بها فرنسا من بطشها ومظالمها ما لا قبل لأحد بالصبر على مثله. وقد ردك الله إليها لترى رأي العين ماذا فعل بعدك هؤلاء القوم بقومك، ولتشهد مصارع الأحرار من أنصارك، ولتملأ قلبك من القوة التي تفل الحديد وتنسف الجبال وتجتاح الجيوش - قوة الإيمان بالله الَّذي لا يخذل من نصره ونصر أولياءه بالحق في يوم الجهاد.

إن فرنسا لم تدع في تونس والجزائر ومراكش مكانًا إلا نفثت فيه من سمها، أو ضربت فيه بإبرتها (١)، أو تدسست إليه بغدرها وجهالتها. إنها أمة لم ترع ذمة للإنسانية ولا للمروءة ولا للشرف ولا لشيء مما يصير به الإنسان حيًّا متميزًا من سائر الوحوش والضوارى -أمة تفتري على الناس افتراء مقيتًا ثم تتبجح على الناس باسم الحرية والإخاء والمساواة، أمة من الأذلاء لم يكد الغازى يغزو بلادها في الحرب الماضية حتَّى ألقت سلاحها وسجدت على مواطئ قدميه تمسح عنهما غبار الغزو ضارعة متذللة، أمة لم تأنف آلاف مؤلفة من أبنائها أن تطلب التجنس بالجنسية الألمانية يوم أصابتها هزيمة واحدة في أول حرب تهزم فيها، ولم تستنكف نساؤها أن تفتح الأغلاق للغزاة غير متورعات ولا كريمات.

إننا أيها الأمير نبغض هذه الأمة كأشد ما يبغضها دمك الَّذي يجرى في عروقك، لأننا إخوة جمعتنا رحم واحدة هي العروبة؛ ونحن لا نخصها وحدها بهذا البغض، بل نبغض كل أمة على غرارها قد استحلت مرعى البطش واستطابت ثمار البغي والعدوان. فنحن العرب لم نولد لنعيش، بل ولدنا لنعيش أحرارًا في الدنيا، ولنعلم أهل الدنيا معنى الحرية، وكيف تكون الحرية. ولئن قعد بنا اليوم عجز عن تعليم هذه الناس، فعن قريب سوف يأذن الله لنا بأن نأخذ بالأسباب التي تتيح لنا أن نعلمهم ما خلقنا من أجله، وعن قريب تنقشع عن عيون كثيرة ضلالات كثيرة أوهمتها أن العرب أمة متخلفة قد نفض الزمن منها يديه فصارت كَلًّا وعالة على أهل الأرض.


(١) وكذلك تفعل العقارب، فسُمّها في إبرتها.