بأن يرفع اسمه منذ اليوم حيث لا تنال مكانه أسماء الدجالين والمنافقين الذين ظهروا في تاريخ السياسة المصرية منذ سنة ١٩١٩ إلى يوم الناس هذا. فحسبه فخرًا ومكانة أن يكون هو الذي استطاع أن يجمع إرادته وعزمه وحزمه، فلم يصرفه خوف أو إغراء عن تحقيق كَلِمَة مصر والسودان الخالدة، وعن إعلان هذه الكلمة في أرجاء الدنيا، وهي:"لا مفاوضة إلا بعد الجلاء".
* * *
ويقابل هذا الرجل الصادق رجال آخرون من صنائع بريطانيا -كانوا من صنائعها القدماء منذ تحركت مصر والسودان في سنة ١٩١٩ تطالب الدولة الباغية باستقلالها، وتريق دماءها وتبذل مهجها، ويأتي أحدهم فيكون سيفًا مسلولا على أعناق إخوانه المصريين يتعسف بهم عسف الجبار المارد، وإن كان هو في نفسه ليس بجبار ولا مارد إلا كما كان أبو حية يسمى قضيب الخشب الذي يحمله سيفًا هندوانيًا (١) -وإنما كان جبروته وتمرده يومئذ من جبروت بريطانيا وتمردها- فهو دمية تلعب بها لا أكثر ولا أقل.
لقد قام النقراشى يعلن ملأ الأمم في نواحي الأرض، أن هذه ساعة فاصلة في تاريخ مصر والسودان، وأنه قد عزم على طرد الإنجليز من بلاده، وأنه لن يقبل مهادنة، ولا مفاوضة ولا مراوغة بعد اليوم، وأن بلاده توشك أن تنفجر، وأن البلاء على الأبواب لن يمنعه ضغط الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وأن مصر والسودان قد أبت إلا طرد بريطانيا من بلادها كلها بلا مهلة ولا تريث ولا مواعيد، ووقف مندوب بريطانيا يصر إصرار البغاة الطغاة على أن المعاهدة تخول له احتلال أرضنا، ويستدل مرة بعد أخرى بالذي كان في مفاوضات صدقي - بيفن وكأنه يريد أن يقول إن صدقى قد قبل ما يأتي هذا الرجل -يعني النقراشي- فينكره ويرفضه، ويكذب على مصر والسودان فيدعى أنها تريد طرد بريطانيا وجلاءها جلاءً تامًّا ناجزًا عن أرض وادي النيل كله، على غير ما تدل عليه مفاوضات صدقي - بيفن.
(١) هو الهيثم بن ربيع، من شعراء الدولتين. وكان أهوج بخيلا جبانا كذابا. وكان له سيف ليس بينه وبين الخشبة فَرْق، يسميه "لُعاب المنية".