للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يدخل يده فيه ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول: "اللهم أعني على سكرات الموت. اللهم أعني على كرب الموت. ادن مني يا جبريل! ادن مني يا جبريل! ادن مني يا جبريل" وعنده - صلى الله عليه وسلم - خميصة (ثوب من خز) يأخذها فيلقيها على وجهه، حتى إذا اغتمّ بها وضاق ألقاها عن وجهه وهو يقول "لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" ويقول أيضًا: "لئن بقيت لا أدع بجزيرة العرب دينين"، وتكون آخر كلمة يتكلم بها وهو في مثل ما ترى من كرب الموت: "أخرجوا اليهود من الحجاز، أخرجوا أهل نجران من جزيرة العرب": أي أدركوا النار قبل أن تشتعل، أنقذوا العرب من فتن لا تبقى ولا تذر! احذروا يهود الحجاز، واحذروا أهل نجران خذوا عليهم طريق الفتنة وأخرجوهم قبل أن يخرجوكم ويسفكوا دماءكم أيتها العصابة القليلة المؤمنة! ويقبض الله إليه نبيّه قبل أن يقول لهم في هذا الأمر قولا لا يضلون بعده، وتبقى هذه الكلمة بغير تفسير حتى يقول العلماء في سرها ما قالوا رجمًا بالغيب.

ثم ماذا؟ ثم لا تكاد تتم بيعة أبي بكر حتى تنفجر الردة في أماكن بعينها من جزيرة العرب، فتقول عائشة بنت أبي بكر الصديق أم المؤمنين قولا يروى لنا، لم يلق إليه أحد بالا إلى يوم الناس هذا: "توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزل بأبي ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها! اشرأب النفاق بالمدينة وارتدت العرب وصار أصحاب محمد كأنهم معزى مطرة، في حُش، في ليلة مطيرة، بأرض مَسْبَعَة (١). فوالله، ما اختلفوا في واحدة إلا طار أبي بحظّها وغنائها عن الإسلام". ويحدثنا أيضًا عروة بن الزبير بن العوام: "وقد ارتدت العرب إما عامة، وإما خاصة في كل قبيلة، ونجم النفاق، واشرأبت اليهود والنصارى، والمسلمون كالغنم في الليلة المطيرة الشاتية، لفقد نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، وقلتهم وكثرة عدوهم".

وخليق بي وبك، أن نقف قليلا عند هذا. نقف حيث وقف بنا أمر رسول الله أن: "أخرجوا اليهود من الحجاز، أخرجوا أهل نجران من جزيرة العرب"،


(١) الحُش (وبفتح الحاء أيضا): البستان، أو مجتمع النخيل. المَسْبَعَة: الأرض الكثيرة السباع.