للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نقف حيث وقفت بنا آخر كلمات تكلم بها - صلى الله عليه وسلم -، وحيث وقف بنا قوله وهو في كرب الموت "لئن بقيت لا أدع بجزيرة العرب دينين"، وحيث وقف بنا قول أم المؤمنين عائشة: "اشرأب النفاق بالمدينة وارتدت العرب"، وحيث وقف بنا حديث عروة: "ارتدت العرب. . . ونجم النفاق، واشرأبت اليهود والنصارى". ثم نأخذ جميعًا نقرأ تاريخ حروب الردة في كتب القدماء من المؤرخين، وماذا قالوا في أسبابها، ونقرأ تاريخها أيضًا في كتب المحدثين من المؤلفين والمؤرخين، ونقرأ أيضًا كتب المستشرقين الذين يجلّهم الدكتور طه ويرفع بذكرهم رفعًا شديدًا فماذا نجد؟ نجد غموضًا شديدًا كأننا نسير في ليلة مظلمة في بطن واد عميق، عن يمينه جبل شامخ وعن يساره جبل شامخ قد أطبقا عليه جميعًا. وإذا الردة في كتب القدماء أخبار مجموعة كما اتفق لهم أن يجمعوها، لم ينظر أحد في أسبابها، ولا في الحوافز التي أغرت العرب بها، ولا في أمر المرتدين وصفتهم وعلاقة بعضهم ببعض، ولا في وجه الشبه الذي يجمع بينهم قبل أن يرتدوا. وإذا الردة في كتب المحدثين أخبار أيضًا حاول أصحابها أن يرتبوها ما استطاعوا، فلما نظروا في أسبابها، وفي حوافزها، وفي صفة أهلها وفي علاقة بعضهم ببعض، وفي وجه الشبه الجامع بينهم قبل أن يرتدوا -إذا بهم يخلطون خلطًا شديدًا كأنهم يبحثون عن درة في بحر من الوحل. وإذا المستشرقون يملأون كتبهم كعادتهم بالجهل الذي يضرب بعضه في وجوه بعض.

نعم، نقرأ تاريخ الردة في كل هذه الكتب جميعًا، فإذا هي خالية جميعًا من ذكر اليهود ومن ذكر المنافقين إلا كلمة شاردة ككلمة عائشة وكلمة عروة بن الزبير بن العوام تعرض في كتب القدماء، وإذا المحدثون من المستشرقين الخائضين فيما ليسوا له بأهل، لا يكادون يذكرون اليهود والمنافقين في حرب الردة، وإذا هذا عجب من أعجب أمرهم، فهم أشد ولعًا بالبحث عن الأسباب واستقصائها ونبشها من أن تخفي عليهم هذه الحقيقة البينة التي بين أيديهم، حقيقة اليهود والمنافقين وما كاد لهم من خطر في تاريخ الإسلام منذ هاجر رسول الله إلى أن قبضه الله إليه! ! وإذا بك ترى المؤلفين من رجالنا قد ضلوا إلى حيث