وإذا أفسد الأدب أول ما يفسد هذه الحصون فقد أمد الشعب بهلاكه، وأدخل عليه هذه النوازع المحطمة، وبث فيه سراياه وأعوانه من (الطابور الخامس) الذي يعمل على إيجاد حركة ارتداد تشقُّق وحَيْرة ووَجَل، فإذا تم لهذا الطابور الخامس تمامه، استولى على الأمة فمحقها بالفزع والتسليم والرضا بالخضوع والذل، قبل أن يمحقها العدو بالآلة والسلاح والجيش الغازى.
وفي هذه الأمم التي لا تملك من سلطان القوة ما تسوغ به السيطرة على ميادينها في صراع الأمم إذا تصارعت، أي في هذه الأمم الشرقية، وأخص الأمة العربية، يعيش هذا الطابور الخامس من الأدباء، ويرى أنه قد أجاد المذهب والمسلك، واتخذ لأمته أهدى السبيلين وخير المنزلتين. وعقيدة هذا الطابور الخامس أن حرية الفن يجب أن لا تتقيد بمصلحة الجماعة، أي أن يكون إنتاج هذا الطابور على ما يثور في أنفس أفراده من النزعات المستكلبة والنزغات المنفجرة في أعصابه بروح الشهوات.
فالأدباء والشعراء خاصة يرون أن أدبهم وشعرهم لابد أن ينطوى على تلك المعاني النفسية النازلة التي تستولغ في دماء الناس وأعراضهم المذبوحة بالآلات الحديدة الماضية التي لا تقاوم بالشهوات الغريزية المجنونة التي تضئ لأعينهم سراج اللذة المحرمة تحت جناح الليل، بين الأخلاق المتهالكة في حانات الفجور، تستنقع بأحلامها وهذيانها في كأس تفوح نشوة وتسيل عربدة، ثم ماذا، ثم يأتي هؤلاء فيدفعون إلى المجتمع نتاجا مركبا من جميع هذه الرذائل المنهوكة المخمورة، ثم تتغلغل هذه المساخط كلها في بيوت الشعب في أوهام الزوجات البريئات، في عيون الفتيات الجاهلات، في أحلام العذارى المتأملات في هدأة الحياة ينتظرن من وراء النفس والعقل تحقيق أحلام الفطرة الغالبة على كل حي في هذه الأرض.
ثم يكون ماذا؟ ثم يكون هذا التفكك والتخاذل بين الأوصال الشعبية التي يجب أن تتماسك وأن تجعل من تماسكها وارتباطها قوة، وأن تنفث فيها روح الجماعة روحا سامية طامحة راغبة جادة تريد أن ترتفع بالجميع فوق شهوات