للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أريد أن أتصدق بهما فأدركني ما يدرك بني آدم، فعقدت على عمامتي، فجاء رجل ولم ار بالبقيع رجلا أشد سوادا أصفر منه ولا آدم يعير بناقة لم أر بالبقيع ناقة أحسن منها، فقال: يا رسول الله أصدقة؟ قال: نعم، قال: دونك هذه الناقة، فلمزه رجل فقال: هذا يتصدق بهذه؟ فوالله لهي خير منه، فسمعها رسول اله صلى الله عليه وسلم فقال: كذبت بل هو خير منك ومنها ثلاث مرار، ثم قال: ويل لأصحاب المئين من الغبل ثلاثا. قالوا: إلا من يا رسول الله؟ قال: إلا من قال بالمال هكذا وهكذا، وجمع بين كفيه عن يمينه وعن شمالهن ثم قال: قد أفلح المزهد المجهد ثلاثا، المزهد في العيش، المجهد في العبادة. أخرجه أحمد، وفي سنده من لم يسم (١). {١٨٢}

وقد دل الحديث (على) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يشهد للمتصدق يوم الجزاء (وعلى) ذم من لم يتصدق بفضل ماله من الأغنياء وأن لهم الويل وهو شدة الهلاك وأليم العذاب (وعلى) مدح الزاهد في الدنيا، المجتهد في عبادة ربه جل شأنه، وأنه المفلح السعيد، جعلنا الله تعالى منهم.

(وقال) عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أن نتصدق، فوافق ذلك مالا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر


(١) انظر ص ١٨٤ ج ٩ - الفتح الرباني، و (لوثا أو لوثين) أي لفة أو لفتين يريد التصدق بهما لتأثره بما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، و (ما يدرك بني آدم) أي من الحرص على المال والبخل والإنفاق، فعدل عن ذلك وعقد عمامته بعد أن هم بالتصدق بجزء منها (وأصفر منه) أي أسود فإن الأصفر يطلق على الأسود، ومنه قوله تعالى: "كأنه جماله صفر" أي جمال سود، و (أدم) أي أسود، عطف تفسير، و (يعير بناقة) أي يتصدق بها، و (صدقة) أي اتريد صدقة؟ (فلمزه) أي عابه، و (إلا من قال بالمال هكذا) أي فرقه على من عن يمينه وشماله من المحتاجين، و (المزهد) بضم فسكون فكسر: القليل الشيء (المجهد) من أجهد نفسه في العبادة.