للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإن قلت: لِمَ أخر رفاعة إجابة الرسول حتى كرر سؤاله ثلاثًا مع وجوب إجابته عليه، بل وعلى غيره ممن سمع، فإنه عمّم السؤال، حيث قال: من المتكلم؟.

أجيب: بأنه لما لم يعين واحدًا بعينه، لم تتعين المبادرة بالجواب من المتكلم ولا من واحد بعينه، وكأنهم انتظروا بعضهم ليجيب، وحملهم على ذلك خشية أن يبدو في حقه شيء ظنًّا منهم أنه أخطأ فيما فعل، ورجوا أن يقع العفو عنه.

ويدل له ما في رواية سعيد بن عبد الجبار عن رفاعة بن يحيى، عند ابن نافع، قال رفاعة: فوددت أني خرجت من مالي، وأني لم أشهد مع رسول الله تلك الصلاة. الحديث.

وكأنه لما رأى سكوتهم فهم ذلك فعرفهم أنه لم يقل بأسًا، ويدل لذلك حديث مالك بن ربيعة عند أبي داود قال: من القائل الكلمة؟ فلم يقل بأسًا؟ (قال) :

(رأيت بضعة) بتاء التأنيث، وللحموي والمستملي: بضعًا (وثلاثين ملكًا) أي على عدد حروف الكلمات: أربعة وثلاثين، لأن البضع بكسر الباء وتفتح ما بين الثلاث والتسع، ولا يختص بما دون العشرين خلافًا للجوهري، والحديث يرد عليه، فأنزل الله تعالى بعدد حروف الكلمات ملائكة في مقابلة كل حرف ملكًا تعظيمًا لهذه الكلمات، وأما ما وقع في حديث أن عند مسلم، فالموافقة فيه كما أفاده في الفتح بالنظر لعدد الكلمات على اصطلاح النحاة، ولفظه: لقد رأيت اثني عشر ملكًا (يبتدرونها) أي: يسارعون إلى الكلمات المذكورة (أيهم) بالرفع مبتدأ خبره (يكتبها أول) بالبناء على الضم لنية الإضافة ويجوز أن يكون معربًا بالنصب على الحال وهو غير منصرف، والوجهان في فرع اليونينية كهي.

قال في المصابيح وأي استفهامية تتعلق بمحذوف دل عليه: يبتدرونها، والتقدير يبتدرونها ليعلموا أيهم يكتبها أول، أو ينظرون أيهم يكتبها. ولا يصح أن يكون متعلقًا: بيبتدرون، لأنه ليس من الأفعال التي تعلق بالاستفهام، ولا مما يحكى به.

فإن قلت: والنظر أيضًا ليس من الأفعال القلبية والتعليق من خواصها، فكيف ساغ لك تقديره؟

وأجاب بأن في كلام ابن الحاجب وغيره من المحققين ما يقتضي أن التعليق لا يخص أفعال القلوب المتعدية إلى اثنين، بل يخص كل قلبي، وإن تعدى إلى واحد: كعرف، والنظر هاهنا يحمل على نظر البصيرة، فيصح تعليقه: واقتصر الزركشي حيث جعلها استفهامية على أن المعلق هو: يبتدرون، وإن لم يكن قلبيًّا، وهذا مذهب مرغوب عنه. اهـ.

ويجوز نصب: أيّهم، بتقدير ينظرون، والمعنى أن كل واحد منهم يسرع ليكتب هذه الكلمات قبل الآخر ويصعد بها إلى حضرة الله تعالى لعظم قدرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>