(﴿يا أيها الذين آمنوا﴾) ولأبي ذر: باب بالتنوين (﴿يا أيها الذين آمنوا﴾) ﴿كتب عليكم القصاص في القتلى﴾) أي بسبب القتلى كقوله: "دخلت امرأة النار في هرة" والقصاص مأخوذ من قصّ الأثر فكأن القاتل سلك طريقًا من القتل يقص أثره فيها ويمشي على سبيله في ذلك، والقتلى جمع قتيل لفظ مؤنث تأنيث الجماعة أي فرض عليكم على التخيير إذا كان القتل عمدًا ظلمًا أن يقتل (﴿الحر بالحر﴾ -إلى قوله- ﴿عذاب أليم﴾)[البقرة: ١٧٨]. وسقط لأبي ذر ﴿الحر بالحر﴾ وقال إلى ﴿أليم﴾.
وقد روى ابن أبي حاتم في سبب نزول هذه الآية أن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل، وكان بينهم قتل وجراحات حتى قتلوا العبيد والنساء فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا، وكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال، فحلفوا أن لا يرضوا حتى يقتل الحر منكم بالعبد والذكر بالأنثى فنزلت. واستدلّ بها المالكية والشافعية على أنه لا يقتل الحر بالعبد، لكن قال البيضاوي: لا دلالة فيها على أنه لا يقتل الحر بالعبد والذكر بالأنثى كما لم يدل على عكسه فإن المفهوم إنما يعتبر حيث لم يظهر للتخصيص غرض سوى اختصاص الحكم، وقد بيّنا ما كان الغرض وإنما منع مالك والشافعي قتل الحر بالعبد سواء كان عبده أو عبد غيره لحديث:"لا يقتل حر بعبد" رواه الدارقطني.
وقال الحنفية: آية البقرة منسوخة بآية المائدة. ﴿النفس بالنفس﴾ فالقصاص ثابت بين العبد والحر والذكر والأنثى، ويستدلون بقوله ﵊:"المسلمون تتكافأ دماؤهم" وبأن التفاضل غير معتبر في الأنفس بدليل أن جماعة لو قتلوا واحدًا قتلوا به. وأجيب: بأن دعوى النسخ بآية المائدة غير سائغة لأنه حكاية ما في التوراة فلا ينسخ ما في القرآن. وعن الحسن وغيره لا يقتل الرجل بالمرأة لهذه الآية، وخالفهم الجمهور وهو مذهب الأئمة الأربعة فقالوا: يقتل الذكر بالأنثى والأنثى بالذكر بالإجماع، وحينئذ فما نقله في الكشاف عن الشافعي ومالك أنه لا يقتل الذكر بالأنثى لا عمل عليه (﴿عفي﴾)[البقرة: ١٧٨] أي (ترك) وسقط ذلك في نسخ.