فإن ثبت سماعه منه فتكون رواية حماد من المزيد في متصل الأسانيد وإلاّ فرواية حماد بن زيد هي المتصلة ولئن سلمنا وجود التعارض من كل جهة فللحديث طرق أخرى عن جابر غير هذه فهو صحيح على كل حال (قال: نهى النبي ﷺ) نهي تحريم (يوم) حصار (خيبر عن لحوم الحمر) أي الأهلية (ورخّص في لحوم الخيل) استدلّ به من قال بالتحريم لأن الرخصة استباحة محظور مع قيام المانع، فدلّ على أنه رخص لهم فيها بسبب المخمصة التي أصابتهم بخيبر فلا يدل ذلك على الحل المطلب.
وأجيب: بأن أكثر الروايات جاء بلفظ الإذن وبعضها بالأمر فدلّ على أن المراد بقوله رخص إذن وأن الإذن للإباحة العامة لا لخصوص الضرورة، والمشهور عند المالكية التحريم وصححه في المحيط والهداية والذخيرة عن أبي حنيفة وخالفه صاحباه، واستدلال المانعين بلام العلة المفيدة للحصر في قوله تعالى: ﴿والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة﴾ [النحل: ٨] الدالة على أنها لم تخلق لغير ما ذكر وبعطف البغال والحمير وهو يقتضي الاشتراك في التحريم وبأنها سيقت للامتنان، فلو كان ينتفع بها في الأكل لكان الامتنان به أعظم، وبأنه لو أبيح أكلها لفاتت المنفعة بها فيما وقع الامتنان به من الركوب والزينة.
وأجيب: بأن اللام وإن أفادت التعليل لكنها لا تفيد الحصر في الركوب والزينة إذ ينتفع بالخيل في غيرهما وفي غير الأكل اتفاقًا، وإنما ذكر الركوب والزينة لكونهما أغلب ما تطلب له الخيل، وأما دلالة العطف فدلالة اقتران وهي ضعيفة، وأما الامتنان فإنما قصد به غالب ما كان يقع به انتفاعهم بالخيل فخوطبوا بما ألفوا وعرفوا، ولو لزم من الإذن في أكلها أن تفنى للزم مثله في الشق الآخر في البقر وغيرها مما أبيح أكله ووقع الامتنان به لمنفعة له أخرى.
وهذا الحديث سبق في غزوة خيبر، وأخرجه مسلم في الذبائح، وأبو داود في الأطعمة، والنسائي في الصيد والوليمة.
(باب) تحريم أكل (لحوم الحمر الإنسية) بفتحتين، والمشهور بكسر ثم سكون ضد الوحشية (فيه) أي في الباب المذكور (عن سلمة) بن الأكوع، وسقط لفظ "عن" لابن عساكر (عن النبي ﷺ) فيما مرّ موصولًا مطوّلًا في باب غزوة خيبر من المغازي.
وبه قال:(حدّثنا صدقة) بن الفضل المروزي قال: (أخبرنا عبدة) بن سليمان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن سالم) هو ابن عمر (ونافع) مولاه (عن ابن عمر رضي الله