إنا محرمون لقبلناه منك، وهذا يقتضي تحريم أكل المحرم لحم الصيد مطلقًا سواء صيد له أو يأمره وهو مذهب نقل عن جماعة من السلف منهم: علي بن أبي طالب، وابن عباس، وابن عمر، والذي عليه أكثر علماء الصحابة والتابعين التفرقة بين ما صاده أو صيد له وغيره وأولوا حديث الصعب بأنه ﷺ إنما ردّه عليه لما ظن أنه صيد من أجله وبه يقع الجمع بين حديث الصعب وحديث جابر لحم الصيد لكم في الإحرام حلال ما لم تصيدون أو يصاد لكم، وحديث أبي قتادة السابق ولا يقال أنه منسوخ بحديث الصعب لأن حديث أبي قتادة كان عام الحديبية، وحديث الصعب كان في حجة الوداع لأنا نقول: أن النسخ إنما يصار إليه إذا تعذر الجمع. كيف والحديث المتأخر محتمل لا دلالة فيه على الحرمة العامة صريحًا ولا ظاهرًا حتى يعارض الأول فينسخه. وقول العلامة ابن الهمام في فتح القدير: أما كون حديث الصعب كان في حجة الوداع فلم يثبت عندنا وإنما ذكره الطبري وبعضهم ولم نعلم لهم فيه ثبتًا صحيحًا. وأما حديث أبي قتادة فإنه وقع في مسند عبد الرزاق عنه انطلقنا مع رسول الله ﷺ عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم، ففي الصحيحين عنه خلاف ذلك وهو ما روي عنه أن رسول الله ﷺ خرج حاجًا فخرجوا معه فصرف طائفة منهم أبو قتادة الحديث.
ومعلوم أنه ﵊ لم يحج بعد الهجرة إلا حجة الوداع اهـ.
يقال عليه قد ثبت في البخاري في باب: جزاء الصيد عن عبد الله بن أبي قتادة قال: انطلق أبي عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم يحرم الحديث. وكذا في باب: إذا رأى المحرمون صيدًا فضحكوا، وأما قوله في الحديث الذي ساقه خرج حاجًا فقد سبق أنه من المجاز وأن المراد أنه خرج معتمرًا أو المراد معنى الحج في الأصل وهو قصد البيت أي خرج قاصدًا البيت، أو الراوي أراد خرج محرمًا فعبر عن الإحرام بالحج غلطًا منه كما مرّ تقديره.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الهبة، ومسلم في الحج وكذا الترمذي والنسائي وابن ماجة.
٧ - باب مَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنَ الدَّوَابِّ
هذا (باب) بالتنوين (ما يقتل المحرم من الدواب) جمع دابة وأصلها داببة فأدغمت إحدى الباءين في الأخرى وهو اسم لكل حيوان لأنه يدب على وجه الأرض والهاء للمبالغة، ثم نقله العرف العام إلى ذوات القوائم الأربع من الخيل والبغال والحمير ويسمى هذا منقولاً عرفيًا، ولو عبّر بالحيوان لكان يشمل الغراب والحدأة المذكورين في الحديث لكنه نظر إلى جانب الأكثر.