صوتًا فوقف فزعًا ثم رفع رأسه فإذا جبريل على كرسي بين السماء والأرض متربعًا يقول: يا محمد أنت رسول الله حقًّا وأنا جبريل (فيسكن لذلك جأشه) بالجيم ثم الهمزة الساكنة ثم الشين المعجمة اضطراب قلبه (وتقرّ) بكسر القاف في الفرع وفي غيره بفتحها (نفسه فيرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل) لكي يلقي منه نفسه (تبدى) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بدا أي ظهر (له جبريل فقال له مثل ذلك) يا محمد إنك رسول الله حقًّا.
[تنبيه]
قال في فتح الباري: قوله هنا فترة حتى حزن النبي ﷺ فيما بلغنا هذا وما بعده من زيادة معمر على رواية عقيل ويونس وصنيع المؤلّف يوهم أنه داخل في رواية عقيل، وقد جرى على ذلك الحمري في جمعه فساق الحديث إلى قوله وفتر الوحي، ثم قال: انتهى حديث عقيل المفرد عن ابن شهاب إلى حيث ذكرنا، وزاد عند البخاري في حديثه المقترن بمعمر عن الزهري فقال وفتر الوحي فترة حتى حزن فساقه إلى آخره.
قال الحافظ ابن حجر والذي عندي أن هذه الزيادة خاصة برواية معمر فقد أخرج طريق عقيل أبو نعيم في مستخرجه من طريق أبي زرعة الرازي عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه في أول الكتاب بدونه، وأخرجه مقرونًا هنا برواية معمر وبين أن اللفظ لمعمر وكذلك صرح الإسماعيلي أن الزيادة في رواية معمر، وأخرجه أحمد ومسلم والإسماعيلي وغيرهم وأبو نعيم أيضًا من طريق جمع من أصحاب الليث عن الليث بدونها اهـ.
وقال عياض: إن قول معمر في فترة الوحي فحزن النبي ﷺ فيما بلغنا حزنًا غدًا منه مرارًا كي يتردّى من رؤوس شواهق الجبال لا يقدح في هذا الأصل أي ما قرره من عدم طريان الشك عليه ﷺ لقول معمر عنه فيما بلغنا ولم يسنده ولا ذكر رواته ولا من حدث به ولا أن النبي ﷺ قاله، ولا يعرف مثل هذا إلا من جهته ﷺ مع أنه قد يحمل على أنه كان أوّل الأمر أو أنه فعل ذلك لما أحرجه من تكذيب من بلغه كما قال تعالى: ﴿فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يومنوا بهذا الحديث أسفًا﴾ [الكهف: ٦] اهـ.
وحاصله أنه ذكر أنه غير قادح من وجهين أحدهما: فيما يتعلق بالمتن من جهة قوله: فيما بلغنا حيث لم يسنده وأنه لا يعلم ذلك إلا من جهة المنقول عنه، والثاني: أنه أوّل الأمر أو أنه فعل ذلك لما أحرجه من تكذيب قومه وفيه بحث إذ عدم إسناده لا يوجب قدحًا في الصحة بل الغالب على الظن أنه بلغه من الثقات لأنه ثقة، لا سيما ولم ينفرد معمر بذلك كما بأن في إطلاق هذا النفي نظرًا فعند ابن إسحاق عن عبيد بن عمير أنه وقع في المنام نظير ما وقع له في اليقظة من الغط والأمر بالقراءة وغير ذلك. قال في الفتح: وفي كون ذلك يستلزم وقوعه في اليقظة حتى يتوقعه نظر فالأولى ترك الجزم بأحد الأمرين.