الحديثين (فردّه النبي ﷺ) تدبيره (فابتاعه منه) أي ابتاع العبد من النبي ﷺ بثمانمائة درهم (نعيم بن النحام) بنون مفتوحة وحاء مهملة مشددة، وقوله ابن النحام وقع كذلك في مسند أحمد وفي الصحيحين وغيرهما، لكن قال النووي قالوا وهو غلط وصوابه فاشتراه النحام فإن المشتري هو نعيم وهو النحام سمي بذلك لقول النبي ﷺ:"دخلت الجنة فسمعت فيها نحمة لنعيم" والنحمة الصوت، وقيل هو السعلة، وقيل النحنحة. ونعيم هذا قرشي من بني عدي أسلم قديمًا قبل إسلام عمر، وكان يكتم إسلامه. قال مصعب الزبيري: كان إسلامه قبل عمر، ولكنه لم يهاجر إلا قبيل فتح مكة وذلك لأنه كان ينفق على أرامل بني عدي وأيتامهم فلما أراد أن يهاجر قال له قومه أقم ودن بأي دين شئت.
وقال الزبير ذكروا أنه لما قدم المدينة قال له النبي ﷺ:"يا نعيم إن قومك كانوا خيرًا لك من قومي" قال: بل قومك خير يا رسول الله قال: "إن قومي أخرجوني وإن قومك أقرّوك" فقال نعيم: يا رسول الله إن قومك أخرجوك إلى الهجرة وإن قومي حبسوني عنها انتهى.
فإن قلت: ما وجه المناسبة بين الترجمة وما ساقه معها؟ فالجواب ما قاله ابن المنير وهو أن العلماء اختلفوا في سفيه الحال قبل الحكم هل تردّ عقوده، واختلف قول مالك في ذلك واختار البخاري ردّها، واستدلّ بحديث المدبر وذكر قول مالك في ردّ عتق المديان قبل الحجر إذا أحاط الدين بماله ويلزم مالكًا ردّ أفعال سفيه الحال لأن الحجر في المديان والسفيه مطّرد، ثم فهم البخاري أنه يردّ عليه حديث الذي يخدع فإن النبي ﷺ اطّلع على أنه يخدع وأمضى أفعاله الماضية والمستقبلة فنبّه على أن الذي ترد أفعاله هو الظاهر السفه البيّن الإضاعة كإضاعة صاحب المدبر وأن المخدوع في البيوع يمكنه الاحتراز، وقد نبّهه الرسول على ذلك ثم فهم أنه يرد عليه كون النبي ﷺ أعطى صاحب المدبر ثمنه ولو كان بيعه لأجل السفه لما سلم إليه الثمن فنبّه على أنه إنما أعطاه بعد أن أعلمه طريق الرشد وأمره بالإصلاح والقيام بشأنه وما كان السفه حينئذٍ فسقًا وإنما كان لشيء من الغفلة وعدم البصيرة بمواقع المصالح فلما بيّنها كفاه ذلك ولو ظهر للنبي ﷺ بعد ذلك أنه لم يهتد ولم يرشد لمنعه التصرف مطلقًا وحجر عليه.
٤ - باب كَلَامِ الْخُصُومِ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ
(باب كلام الخصوم بعضهم في بعض) أي فيما لا يوجب حدًّا ولا تعزيرًا.