(الصلاة أمامك) مبتدأ وخبر أي موضع هذه الصلاة قدامك وهو المزدلفة فهو من باب: ذكر الحال وإرادة المحل أو التقدير وقت الصلاة قدّامك فالمضاف فيه محذوف إذ الصلاة نفسها لا توجد قبل إيجادها وعند إيجادها لا تكون أمامه. قال الحنفية: فيكون المراد وقتها فيجب تأخيرها وهو مذهب أبي حنيفة ومحمد، فلو صلّى المغرب في الطريق لم يجز وعليه إعادتها ما لم يطلع الفجر. وقال المالكية: يندب الجمع بينهما وظاهره أنه لو صلاهما قبل إتيانه إليها أجرأه لأنه جعل ذلك مندوبًا، والذي في المدوّنة أنه يعيدهما إلا أنها عند ابن القاسم على سبيل الاستحياب. وقال ابن حبيب: يعيدهما أبدًا وقال الشافعية: لو جمع بينهما في وقت المغرب في أرض عرفات أو في الطريق أو صلّى كل صلاة في وقتها جاز وإن خالف الأفضل، وفي الحديث تخصيص لعموم الأوقات المؤقتة للصلوات الخمس ببيان فعله ﵊.
(فجاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ) أي الوضوء فحذف المفعول. قال الخطابي: إنما ترك إسباغه حين نزل الشعب ليكون مستصحبًا للطهارة في طريقه وتجوز فيه لأنه لم يرد أن يصلّي به، فلما نزل المزدلفة وأرادها أسبغه، ويحتمل أن يكون تجديدًا وأن يكون عن حدث طرأ، واستبعد القول بأن المراد بقوله: لم يسبغ الوضوء اللغوي وأبعد منه أن المراد به الاستنجاء، ومما يقوّي استبعاده رواية المؤلّف السابقة في باب: الرجل يوضئ صاحبه عن أسامة أنه ﷺ عدل إلى الشعب فقضى حاجته فجعلت أصب الماء عليه ويتوضأ إذ لا يجوز أن يصب عليه أسامة إلا وضوء الصلاة لأنه كان لا يقرب منه أحد وهو على حاجته.
(ثم أقيمت الصلاة فصلّى)﵊ بالناس (المغرب) أي قبل حط الرحال كما جاء مصرحًا به في رواية أخرى، (ثم أناخ كل إنسان) منا (بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة فصلّى)﵊ بالناس صلاة العشاء (ولم يصل) نفلاً (بينهما) لأنه يخل بالجمع لأن الجمع يجعلهما كصلاة واحدة، فوجب الولاء كركعات الصلاة، ولولا اشتراط الولاء لما ترك ﵊ الرواتب، لكن هذا فيه تفصيل بين جمع التقديم فيخل وبين جمع التأخير فلا كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه عن قريب، والله الموفق.
٩٦ - باب مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَتَطَوَّعْ
(باب من جمع بينهما) أي بين العشاءين بالمزدلفة (ولم يتطوع) بينهما ولا على أثر واحدة منهما.