والذي يقتضيه هذا المقام أن ينزل يعلمون منزلة اللازم لينتفي عنهم العلم والمعرفة بالكلية، ولو ذهب مع ذلك إلى معنى التمني لكان أبلغ لأن التمني طلب ما لا يمكن حصوله أي ليتهم كانوا من أهل العلم تغليظًا وتشديدًا.
ومطابقة الحديث للترجمة من حيث أن هؤلاء القوم المذكورين تفرقوا في البلاد بعد الفتوحات ورغبوا عن الإقامة في المدينة، ولو صبروا على الإقامة فيها لكان خيرًا لهم، أما من خرج لحاجة كجهاد أو تجارة فليس داخلاً في معنى الحديث.
ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون إلا شيخه، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والسماع والقول، ورواية تابعي عن تابعي لأن هشامًا لقي بعض الصحابة وصحابي عن صحابي، وأخرجه مسلم في الحج وكذا النسائي.
٦ - باب الإِيمَانُ يَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ
هذا (باب) بالتنوين (الإيمان يأرز إلى المدينة) بهمزة ساكنة وراء مكسورة ثم زاي كضرب يضرب أي ينضم ويجتمع بعضه إلى بعض فيها. وحكى القابسي فتح الراء من باب علم يعلم وحكى ضمها من باب نصر ينصر.
وبالسند قال:(حدّثنا إبراهيم بن المنذر) هو إبراهيم بن عبد الله بن المنذر بن المغيرة الحزامي قال: (حدّثنا أنس بن عياض) أبو ضمرة الليثي المدني (قال: حدثني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر العمري (عن) خاله (خبيب بن عبد الرحمن) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة الأولى (عن حفص بن عاصم) بن عمر بن الخطاب (عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال):
(إن الإيمان ليأرز) اللام في ليأرز للتوكيد أي أن أهل الإيمان لتنضم وتجتمع (إلى المدينة كما تأرز الحية إلى حجرها) أي كما تنتشر الحية من حجرها في طلب ما تعيش به فإذا راعها شيء رجعت إلى حجرها كذلك الإيمان انتشر من المدينة فكل مؤمن له من نفسه سائق إليها لمحبته في ساكنها صلوات الله وسلامه عليه، وهذا شامل لجميع الأزمنة. أما زمنه ﷺ فللتعلم منه، وأما زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم فللاقتداء بهديهم، وأما بعدهم فلزيارة قبره المنيف، والصلاة في مسجده الشريف، والتبرك بمشاهدة آثاره وآثار أصحابه رزقني الله ذلك، والممات على محبته هنالك. يا