والتأبي عن الباطل والتمييز بين الخطأ والصواب حكم أنه لو ترك على ما هو عليه ولم يعتوره من الخارج ما يصد استمر على ما هو عليه من الفطرة السليمة، وانظر قتل الخضر الغلام إذ كان باعتبار النظر إلى عالم الغيب، وإنكار موسى عليه كان باعتبار عالم الشهادة، وظاهر الشرع فلما اعتذر الخضر بالعلم الخفي الغائب أمسك موسى ﵇ عن الإنكار فلا عبرة بالإيمان الفطري في أحكام الدنيا وإنما يعتبر الإيمان الشرعي المكتسب بالإرادة والفعل اهـ. ملخصًا من شرح المشكاة.
(قالوا: يا رسول الله أفرأيت) أي أخبرنا من إطلاق السبب على المسبب لأن مشاهدة الأشياء طريق إلى الإخبار عنها والهمزة فيه مقررة أي قد رأيت ذلك فأخبرنا (من يموت وهو صغير)؟ لم يبلغ الحلم أيدخل الجنة (قال)ﷺ:
(الله أعلم بما كانوا عاملين). قال البيضاوي: فيه إشارة إلى أن الثواب والعقاب لا لأجل الأعمال وإلاّ لزم أن يكون ذراري المسلمين والكافرين لا من أهل الجنة ولا من أهل النار بل الموجب لهما اللطف الرباني والخذلان الإلهي المقدر لهما في الأزل، فالأولى فيهما التوقف وعدم الجزم بشيء فإن أعمالهم موكولة إلى علم الله فيما يعود إلى أمر الآخرة من الثواب والعقاب. وقال النووي: أجمع من يعتبر به من علماء المسلمين أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة لأنه ليس مكلفًا وتوقف فيهم بعض من لا يعتد به لحديث عائشة في مسلم أنه ﷺ دعي لجنازة صبي من الأنصار فقلت: طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه فقال: أو غير ذلك يا عائشة إن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وأجابوا عن هذا بأنه لعله ﷺ نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع أو أنه ﷺ قال هذا قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة، وأما أطفال المشركين ففيهم ثلاثة مذاهب: فالأكثرون على أنهم في النار، وتوقفت طائفة، والثالث وهو الصحيح أنهم من أهل الجنة.
والحديث سبق في الجنائز وفيه أو يمجسانه وأخرجه مسلم في القدر والله الموفق.
٤ - باب ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾
هذا (باب) بالتنوين في اليونينية أي في قوله تعالى (﴿وكان أمر الله﴾) الذي يريد أن يكوّنه (﴿قدرًا مقدورًا﴾)[الأحزاب: ٣٨] قضاء مقضيًا وحكمًا مبتوتًا لا محيد عنه فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.