وجلس كل واحد منهم في المجلس الذي يليق به قال في الفتح ولم أقف على عددهم إذ ذاك (قال)﵊: (يا أبا هر) بكسر الهاء وتشديد الراء (قلت لبيك يا رسول الله قال: خذ) أي هذا القدح (فأعطهم) بهمزة قطع القدح الذي فيه اللبن (فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل) بضم همزة أعطيه (فيشرب حتى يروى) بفتح الواو (ثم يردّ عليّ القدح فأعطيه الرجل) الذي يليه ولأبي ذر عن الكشميهني ثم أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يردّ عليّ القدح فيشرب حتى يروى ثم يردّ عليّ القدح بتكرار فيشرب ثلاثًا وسقط قوله حتى يروى ثم يرد عليّ القدح هذه في رواية أبي ذر، وقال في الكواكب فإن قلت: الرجل الثاني معرفة معادة فتكون هي الأول بعينه على القاعدة النحوية لكن المراد غيره. وأجاب؛ أن ذلك حيث لا قرينة ولفظ (حتى انتهيت إلى النبي ﷺ وقد روي القوم كلهم) قرينة المغايرة لأنه يدل على أنه أعطاهم واحدًا بعد واحد إلى أن كان آخرهم النبي ﷺ(فأخذ القدح) وقد بقيت فيه فضلة (فوضعه على يده) الكريمة (فنظر إليّ) بتشديد التحتية (فتبسم) إشارة إلى أنه لم يفته شيء مما كان يظن فواته من اللبن (فقال أبا هر) بحذف أداة النداء ولأبي ذر عن الحموي يا أبا هر (قلت لبيك يا رسول الله قال: بقيت أنا وأنت قلت صدقت يا رسول الله. قال: اقعد فاشرب فقعدت فشربت فقال: اشرب فشربت فما زال يقول اشرب حتى قلت لا والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكًا قال: فأرني فأعطيته القدح فحمد الله)﷿ على البركة وظهور المعجزة في اللبن المذكور حيث روي القوم كلهم وأفضلوا (وسمى) الله (وشرب الفضلة) وفي رواية روح فشرب من الفضلة، وفيها كما قال في الفتح إشعار بأنه بقي بعد شربه شيء فإن كانت محفوظة فلعله أعدها لمن بقي بالبيت من أهله ﷺ.
وفي الحديث فوائد كثيرة لا تخفى على المتأمل والله الموفق.
(تنبيه).
قوله في السند: حدّثنا أبو نعيم بنحو من نصف هذا الحديث استشكل من حيث إنه يستلزم أن يكون النصف بلا إسناد غير موصول إذ النصف المذكور مبهم لا يدرى أهو الأول أو الثاني واحتمال كون القدر المسموع له منه هو المذكور في كتاب الاستئذان في باب إذا دعي الرجل فجاء فهل يستأذن بلفظ: حدّثنا أبو نعيم حدّثنا عمر بن ذر وحدّثنا محمد بن مقاتل، أخبرنا عبد الله، أخبرنا عمر بن ذر، أخبرنا مجاهد عن أبي هريرة ﵁ قال: دخلت مع رسول الله ﷺ فوجد لبنًا في قدح فقال: "أبا هريرة الحق أهل الصفة فادعهم إليّ" قال: فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا. عورض بأنه ليس ثلث الحديث ولأربعة فضلاً عن نصفه. وقول الحافظ زين الدين العراقي في نكته على ابن الصلاح أن القدر المذكور في الاستئذان بعض الحديث المذكور في الرقاق هو القول المعتبر المحرر قال: ويكون البخاري حدث به عن أبي نعيم بطريق الوجادة أو الإجازة أو حمله عن شيخ آخر غير أبي نعيم اهـ.