توقيفيًّا، فذهب إلى الأول الجمهور ومنهم القاضي أبو بكر بن الطيب فيما اعتمده واستقر عليه رأيه من قوله وأنه فوّض ذلك إلى أمته بعده وذهبت طائفة إلى الثاني، والخلاف لفظي لأن القائل بالأول يقول إنه رمز إليهم ذلك لعلمهم بأسباب نزوله ومواقع كلماته، ولذلك قال الإمام مالك: وإنما ألفوا القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبي ﷺ.
وهناك قول ثالث وهو أن كثيرًا من السور قد كان علم ترتيبه في حياته ﷺ كالسبع الطوال والحواميم والمفصل وكقوله اقرؤوا الزهراوين البقرة وآل عمران وإلى هذا مال ابن عطية، وقال بعضهم: لترتيب وضع السور في المصحف أشياء تطلعك على أنه توقيفي صادر عن حكيم.
أحدها: بحسب الحروف كما في الحواميم، وثانيها لموافقة أول السور لآخر ما قبلها كآخر الحمد في المعنى وأول البقرة، وثالثها للوزن في اللفظ كآخر تبت وأول الإخلاص، ورابعها لمشابهة جملة السورة لجملة الأخرى مثل الضحى وألم نشرح.
وقال بعضهم: سورة الفاتحة تضمنت الإقرار بالربوبية والالتجاء إليه في دين الإسلام والصيانة عن دين اليهودية والنصرانية، وسورة البقرة تضمنت قواعد الدين، وآل عمران مكملة لمقصودها، فالبقرة بمنزلة إقامة الدليل على الحكم وآل عمران بمنزلة الجواب عن شبهات الخصرم، وسورة النساء تتضمن أحكام الأنساب التي بين الناس، والمائدة سورة العقود وبها تمّ الدين انتهى.
وأما ترتيب الآيات فإنه توقيفي بلا شك ولا خلاف أنه من النبي ﷺ وهو أمر واجب وحكم لازم فقد كان جبريل يقول ضع آية كذا في موضع كذا وفيه حديث أخرجه البيهقي في المدخل والدلائل والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرطهما.
٧ - باب كَانَ جِبْرِيلُ يَعْرِضُ الْقُرْآنَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ.
وَقَالَ مَسْرُوقٌ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ فَاطِمَةَ ﵍: أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ جِبْرِيلَ يُعَارِضُنِي بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أُرَاهُ إِلاَّ حَضَرَ أَجَلِي
هذا (باب) بالتنوين (كان جبريل يعرض القرآن) بفتح الياء وكسر الراء (على النبي ﷺ) أي يستعرضه ما أقرأه إياه.
(وقال مسروق): هو ابن الأجدع التابعي مما وصله المؤلّف في علامات النبوّة (عن عائشة) أم المؤمنين (﵂ عن فاطمة) بنت النبي ﷺ ﵍ أسرّ إليّ النبي ﷺ):
(أن جبريل يعارضني) أي يدارسني ولأبي ذر كان يعارضني (بالقرآن كل سنة) أي مرة (وإنه) ولأبي ذر عن الحموي وإني (عارضني) هذا (العام مرتين ولا أراه) بضم الهمزة أي ولا أظنه (إلا حضر أجلي) والمعارضة مفاعلة من الجانبين كأن كلاًّ منهما كان تارة يقرأ والآخر يسمع.