وبه قال:(حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي والعين المهملة المكي المؤذن قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين الزهري العوفي أبو إسحاق الزهري (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة (عن ابن عباس ﵄) أنه (قال: كان النبي) وفي نسخة كان رسول الله (ﷺ أجود الناس) أي أسخاهم (بالخير) بنصب أجود خبر كان (وأجود) بالرفع (ما يكون في شهر رمضان) أثبت له الأجودية المطلقة أولًا ثم عطف عليها زيادة ذلك في رمضان لئلا يتخيل من قوله وأجود ما يكون في شهو رمضان أن الأجودية خاصة منه برمضان فهو احتراس بليغ ثم بيّن سبب الأجودية المذكورة بقوله (لأن جبريل)﵇(كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ) رمضان وظاهره أنه كان يلقاه في كل رمضان منذ أنزل عليه القرآن إلى رمضان الذي توفي بعده وليس بمقيد برمضانات الهجرة وإن كان صيام شهر رمضان إنما فرض بعد الهجرة إذ إنه كان يسمى به قبل فرض صومه، نعم يحتمل أنه لم يعارضه في رمضان من السنة الأولى لوقوع ابتداء النزول فيها، ثم فتر الوحي ثم تتابع وسقط الضمير من يلقاه لأبي الوقت والأصيلي فكان (يعرض عليه رسول الله ﷺ القرآن) أي بعضه أو معظمه لأن أول رمضان من البعثة لم يكن نزل من القرآن إلا بعضه ثم كذلك كل رمضان بعده إلى الأخير فكان نزل كله إلا ما تأخر نزوله بعد رمضان المذكور وكان في سنة عشر إلى أن توفي ﷺ ومما نزل في تلك المدة ﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾ [المائدة: ٣] فإنها نزلت يوم عرفة بالاتفاق ولما كان ما نزل في تلك الأيام قليلًا اغتفروا أمر معارضته فاستفيد منه إطلاق القرآن على بعضه مجازًا وحينئذٍ فلو حلف ليقرآن القرآن فقرأ بعضه لا يحنث إلا إن قصد كله (فإذا لقيه جبريل كان)﵊(أجود بالخير من الريح المرسلة) أي المطلقة فهو من الاحتراس لأن الريح منها العقيم الضار، ومنها المبشر بالخير فوصفها بالمرسلة ليعين الثاني قال تعالى: ﴿هو الذي يرسل الرياح مبشرات﴾ [الروم: ٤٦] فالريح المرسلة تستمر مدة إرسالها وكذا كان عمله ﷺ في رمضان ديمة لا ينقطع وفيه استعمال أفعل التفضيل في الإسناد الحقيقي والمجازي لأن الجود منه ﷺ حقيقة ومن الريح مجاز.
فإن قلت: ما الحكمة في تخصيص الليل المذكور بمعارضة القرآن؟ أجيب: بأن المقصود من التلاوة الحضور والفهم والليل مظنة ذلك بخلاف النهار فإن فيه الشواغل والعوارض على ما لا يخفى ولعله ﷺ كان يقسم ما نزل من القرآن في كل سنة على ليالي رمضان أجزاء فيقرأ كل ليلة جزءًا في جزء من الليلة وبقية ليلته لما سوى ذلك من تهجد وراحة وتعهد أهله ويحتمل أنه