وقوله تعالى:(يضاهون) قال ابن عباس فيما رواه ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طلحة عنه (يشبهون) وقال: أبو عبيدة هي التشبيه وقال القاضي أي يضاهي قولهم قول الذين كفروا فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه والمضاهاة المشابهة وهذا أخبار من الله تعالى عن قول اليهود: عزير ابن الله، والنصارى المسيح ابن الله فأكذبهم الله تعالى بقوله: ﴿وذلك قولهم بأفواههم﴾ [التوبة: ٣٠] والتقييد بكونه بأفواههم مع أن القول لا يكون إلا بل بالفم للإشعار بأنه لا دليل عليه فهو كالمهملات لم يقصد بها الدلالة على المعاني، وقول اليهود هذا كان مذهبًا مشهورًا عندهم أو قاله بعض من متقدميهم أو من كان بالمدينة، وإنما ذلك لأنه لم يبق فيهم بعد وقعة بختنصر من يحفظ التوراة فلما أحياه الله بعد مائة عام وأملى عليهم التوراة حفظًا فتعجبوا من ذلك، وقالوا ما هذا إلا لأنه ابن الله والدليل على أن هذا القول كان فيهم أن الآية قرئت عليهم فلم يكذبوا مع تهالكهم على التكذيب.
وبه قال:(حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه (قال: سمعت البراء) بن عازب (﵁ يقول: آخر آية نزلت) عليه ﷺ(﴿يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة﴾) في آخر سورة النساء (وآخر سورة نزلت) عليه ﵊(براءة).
فإن قلت: سبق في آخر سورة البقرة من حديث ابن عباس أن آخر آية الربا وعند النسائي من حديث ابن عباس أن سورة النصر آخر سورة نزلت. أجيب: بأن المراد آخرية مخصوصة لأن الأولية والآخرية من الأمور النسبية، وأما السورة فإن آخرية النصر باعتبار نزولها كاملة بخلاف براءة فالمراد أوّلها أو معظمها، وإلاّ ففيها آيات كثيرة نزلت قبل سنة الوفاة النبوية وسيكون لنا عودة إلى الإلمام بشيء من مبحث ذلك بسورة النصر إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته.
(باب قوله) تعالى: (﴿فسيحوا في الأرض أربعة أشهر﴾) أوّلها شوّال وآخرها سلخ المحرم قاله الزهري أو من يوم النحر إلى عشرين من ربيع الآخر.
واستشكل ابن كثير الأوّل بأنهم كيف يحاسبون بمدّة لم يبلغهم حكمها وإنما ظهر لهم أمرها يوم النحر كما يأتي إن شاء الله تعالى. واستشكل غيره القولين بأنه لم يكن ذلك كله الأشهر الحرم