(ورجل) الواو حكاية لعطفه على ما ذكر قبله في الحديث (تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت) وللكشميهني ما تنفق (يمينه) وهذا كما قاله ابن بطال مثال ضربه ﵊ في المبالغة في الاستتار بالصدقة لقرب الشمال من اليمين، وإنما أراد أن لو قدر أن لا يعلم من يكون على شماله من الناس نحو: ﴿واسأل القرية﴾ [يوسف: ٨٢] لأن الشمال لا توصف بالعلم فهو من مجاز الحذف وألطف منه ما قاله ابن المنير أن يراد لو أمكن أن يخفي صدقته عن نفسه لفعل فكيف لا يخفيها عن غيره؟ والإخفاء عن النفس يمكن باعتبار وهو أن يتغافل المتصدق عن الصدقة ويتناساها حتى ينساها وهذا ممدوح الكرام شرعًا وعرفًا.
(وقوله)﷿: (﴿إن تبدوا الصدقات فنعما هي﴾) فنعم شيئًا إبداؤها (﴿وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء﴾) أي تعطوها مع الإخفاء (﴿فهو خير لكم﴾)[البقرة: ٢٧١] فالإخفاء خير لكم وهذا في التطوع ولمن لم يعرف بالمال فإن إبداء الفرض لغيره أفضل لنفي التهم، ولغير أبي ذر: وقال الله تعالى: ﴿وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم﴾ ولم يذكر هنا حديثًا إلا المعلق فقط.
وروى ابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله تعالى: ﴿إن تبدوا الصدقات فنعما هي﴾ [البقرة: ٢٧١] نزلت في أبي بكر وعمر ﵄. أما عمر فجاء بنصف ماله حتى دفعه إلى النبي ﷺ فقال له النبي ﷺ:"ما خلفت وراءك لأهلك يا عمر؟ لما قال: خلفت لهم نصف مالي، وأما أبو بكر فجاء بماله كله فكاد أن يخفيه من نفسه حتى دفعه إلى النبي ﷺ فقال له النبي ﷺ: ما خلفت وراءك يا أبا بكر؟ " فقال: عدة الله وعدة رسوله فبكى عمر وقال: بأبي أنت يا أبا بكر والله ما سبقنا إلى باب خير قط إلا كنت سابقنا.
١٤ - باب إِذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ
هذا (باب) بالتنوين (إذا تصدق) رجل (على) آخر (غني وهو) أي والحال أنه (لا يعلم) أنه غني فصدقته مقبولة، وسقط لفظ باب في رواية أبي ذر وقال عقب قوله في السابق ﴿فهو خير لكم﴾ الآية وإذا تصدق بواو العطف.