يفرض عليهم ما لم يكن فرضًا وقد أمنت الغائلة (و) كره أيضًا (إضاعة المال) السرف في إنفاقه كالتوسع في الأطعمة اللذيذة والملابس الحسنة وتمويه الأوافي والسقوف بالذهب والفضة لما ينشأ عن ذلك من القسوة وغلظ الطبع. وقال سعيد بن جبير إنفاقه في الحرام والأقوى أنه ما أنفق في غير وجهه المأذون فيه شرعًا سواء كانت دينية أو دنيوية فمنع منه لأن الله تعالى جعل المال قيامًا لمصالح العباد وفي تبذيرها تفويت تلك المصالح إما في حق مضيعها وإما في حق غيره، ويستثنى من ذلك كثرة إنفاقه في وجوه البر لتحصيل ثواب الآخرة ما لم يفوت حقًا أخرويًّا هو أهم منه.
والحاصر أن في كثرة الإنفاق ثلاثة أوجه:
الأول: إنفاقه في الوجوه المذمومة شرعًا فلا شك في منعه.
والثاني: إنفاقه في الوجوه المحمودة شرعًا فلا ريب في كونه مطلوبًا بالشرط المذكور.
والثالث: إنفاقه في المباحات بالأصالة كملاذ النفس فهذا ينقسم إلى قسمين.
أحدهما: أن يكون على وجه يليق بحال المنفق وبقدر ماله فهذا ليس بإسراف.
والثاني: ما لا يليق به عرفًا وهو ينقسم أيضًا إلى قسمين: ما يكون لدفع مفسدة ناجزة أو متوقعة فليس هذا بإسراف، والثاني: ما لا يكون في شيء من ذلك والجمهور علي أنه إسراف.
وذهب بعض الشافعية إلى أنه ليس بإسراف قال لأنه تقوم به مصلحة البدن وهو غرض صحيح إذا كان في غير معصية فهو مباح. قال ابن دقيق العيد: وظاهر القرآن يمنع ما قاله اهـ.
وقد صرّح بالمنع القاضي حسين، وتبعه الغزالي وجزم به الرافعي وصحح في باب الحجر من الشرح، وفي المحرر أنه ليس بتبذير، وتبعه النووي والذي يترجح أنه ليس مذمومًا لذاته لكنه يفضي غالبًا إلى ارتكاب المحذور كسؤال الناس وما أدّى إلى المحذور فهو محذور.
ورواة هذا الحديث كلهم كوفيون ومنصور وشيخه وشيخ شيخه تابعيون، وسبق في باب قول الله تعالى: ﴿لا يسألون الناس إلحافًا﴾ [البقرة: ٢٧٣] من كتاب الزكاة.
٢٠ - باب الْعَبْدُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ، وَلَا يَعْمَلُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ
هذا (باب) بالتنوين (للعبد راعٍ في مال سيده ولا يعمل إلا بإذنه).
٢٤٠٩ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: فَالإِمَامُ رَاعٍ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ، وَهْيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ.