بحق تقديرك المقدورات أن تيسرهما عليّ فيكون كقوله تعالى: ﴿قال رب بما أنعمت عليّ﴾ [القصص: ١٧](وأسألك من فضلك) وفي الدعوات زيادة العظيم (فإنك تقدر ولا أقدر) إلا بك (وتعلم) ما فيه الخيرة لي (ولا أعلم) ذلك (وأنت علام الغيوب اللهم فإن كنت تعلم) بالفاء في فإن كنت تعلم (هذا الأمر) وفي الدعوات أن هذا الأمر (ثم يسميه) بالتحتية والفوقية (بعينه) أي بأن ينطق به أو يستحضره بقلبه (خيرًا لي) نصب مفعول ثاني لتعلم (في عاجل أمري وآجله قال) الراوي: (أو) قال (في ديني ومعاشي) حياتي أو ما يعاش فيه (وعاقبة أمري فاقدره لي) بضم الدال أي أنجزه لي (ويسره لي ثم بارك لي فيه. اللهم إن) ولأبي ذر عن الكشميهني وإن (كنت تعلم أنه شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاصرفني عنه) حتى لا يبقى لي تعلق به (واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به) بتشديد الضاد المعجمة أي اجعلني بذلك راضيًا فلا أندم على طلبه ولا على وقوعه والشك في الموضعين من الراوي.
وسبق الحديث في باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى من كتاب التهجد وفي كتاب الدعوات، والله الموفق وبه المستعان.
(باب مقلب القلوب. وقول الله تعالى) ولغير أبي ذر بإسقاط الباب فما بعده مرفوع وكذا قوله وقول الله تعالى: (﴿ونقلب أفئدتهم وأبصارهم﴾ [الأنعام: ١١٠]) فأما مقلب فخبر مبتدأ محذوف أي الله مقلب القلوب وما بعده معطوف عليه، والمعنى أنه تعالى مبدل الخواطر وناقض العزائم فإن قلوب العباد بيد قدرته يقلبها كيف يشاء، والأفئدة جمع فؤاد وهو القلب.
وقال الراغب: الفؤاد كالقلب لكن يقال له فؤاد إذا اعتبر فيه معنى التفاؤد أي التوقد يقال: فأدت اللحم شويته ومنه لحم فئيد أي مشوي وظاهر هذا أن الفؤاد غير القلب، ويقال فيه فواد بالواو بدلاً عن الهمزة، وقدم ذكر تقليب الأفئدة على الأبصار لأن موضع الدواعي والصوارف هو القلب فإذا حصلت الداعية في القلب انصرف البصر إليه شاء أم أبى، وإذا حصلت الصوارف في القلب انصرف عنه وهو وإن كان يبصره بحسب الظاهر إلا أنه لا يصير ذلك الإبصار سببًا للوقوف على الفوائد المطلوبة فلما كان المعدول هو القلب، وأما السمع والبصر فهما آلتان للقلب كانا لا محالة تابعين للقلب فلذا وقع الابتداء بذكر تقليب القلوب ثم أتبعه بذكر البصر.