جمعه في وعاء بحيث لم يترك منه شيئًا (في صريح الحكم حين أحفظه) بالحاء المهملة والفاء والظاء المعجمة أي أغضبه (الأنصاري وكان)ﷺ(أشار عليهما) في أوّل الأمر (بأمر لهما) ولأبي ذر عن الكشميهني له أي للأنصاري (فيه سعة) وهو الصلح على ترك بعض حق الزبير، فلما لم يرض الأنصاري استقصى ﵊ للزبير حقه وحكم له به على الأنصاري.
(قال الزبير: فما أحسب هله الآيات إلا نزلت) وفي باب شرب الأعلى من الأسفل من كتاب الشرب فقال الزبير: والله إن هذه الآية أنزلت (في ذلك ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم﴾) قيل: وكان هذا الرجل يهوديًّا. وعورض بأنه وصف بكونه أنصاريًّا ولو كان يهوديًا لم يوصف بذلك إذ هو وصف مدح ولا يبعد أن يبتلي غير المعصوم بمثل ذلك عند الغضب مما هو من الصفات البشرية.
وفي المفاتح كالبغوي في معالم التنزيل، وروي أنه لما خرجا مرّا على المقداد فقال: لمن كان القضاء؟ قال الأنصاري لابن عمته ولوى شدقيه ففطن له يهودي كان مع المقداد فقال: قاتل الله هؤلاء يشهدون أنه رسول الله ﷺ ثم يتهمونه في قضاء يقضي بينهم، وايم الله لقد أذنبنا ذنبًا مرة في حياة موسى ﵊ فدعانا إلى التوبة فقال: اقتلوا أنفسكم فبلغ قتلانا سبعين ألفًا في طاعة ربنا حتى رضي عنا، فقال ثابت بن قيس بن شماس: إن الله ليعلم مني الصدق ولو أمرني محمد أن أقتل نفسي لفعل.
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: (﴿فأولئك﴾) أي من أطاع الله والرسول (﴿مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين﴾)[النساء: ٦٩] في الجنة بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الآخر لأن الحجاب إذا زال شاهد بعضهم بعضًا، وليس المراد كون الكل في درجة واحدة لأن ذلك يقتضي التسوية في الدرجة بين الفاضل والمفضول وهو غير جائز، والأظهر أن قوله: من النبيين بيان للذين أنعم الله عليهم، وجوّز تعلق من النبيين بيطع أي: ﴿ومن يطع الله والرسول﴾ من النبيين ومن بعدهم ويكون قوله: ﴿فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم﴾ إشارة إلى الملأ الأعلى ثم قال: ﴿وحسن أولئك رفيقًا﴾.
ويبين ذلك قوله ﵊ عند الموت "اللهم ألحقني بالرفيق الأعلى" قاله الراغب، وتعقبه أبو حيان فأفسده معنى وصناعة، أما المعنى فلأن الرسول هنا هو محمد ﷺ وقد أخبر تعالى أنه من يطع الله ورسوله فهو مع من ذكر ولو جعل من النبيين متعلقًا بيطع لكان من النبيين تفسيرًا لمن الشرطية، فيلزم أن يكون في زمانه ﵊ أو بعده أنبياء يطيعونه وهذا غير ممكن لقوله تعالى: ﴿وخاتم النبيين﴾ ولقوله ﵊"لا نبي بعدي".