الكوني المقرئ ولأبيه صحبة (عن أبي موسى الأشعري)﵁(قال: قال النبي ﷺ):
(ما أحد أصبر) ولأبي ذر بالرفع أفعل تفضيل من الصبر وهو حبس النفس على المكروه والله تعالى منزه عن ذلك فالمراد لازمه وهو ترك المعاجلة والعقوبة (على أذى سمعه من الله يدّعون) بتشديد الدال (له) أي ينسبون إليه (الولد) واستشكل بأن الله تعالى منزه عن الأذى. وأجيب: بأن المراد أذى يلحق أنبياءه إذ في إثبات الولد إيذاء للنبي ﷺ لأنه تكذيب له وإنكار لمقالته (ثم يعافيهم) من العلل والبليات والمكروهات (ويرزقهم) ما ينتفعون به من الأقوات وغيرها مقابلة للسيئات بالحسنات والرزاق خالق الأرزاق والأسباب التي يتمتع بها، والرزق هو المنتفع به وكل ما ينتفع به فهو رزقه سواء كان مباحًا أو محظورًا والرزق نوعان محسوس ومعقول، ولذا قال بعض المحققين: الرزاق من رزق الأشباح فوائد لطفه والأرواح عوائد كشفه. وقال القرطبي: الرزق في ألسنة المحدّثين السماع يقال: رزق يعنون به سماع الحديث قال: وهو صحيح انتهى.
وحظ العارف منه أن يتحقق معناه ليتيقن أنه لا يستحقه إلا الله فلا ينتظر الرزق ولا يتوقعه إلا منه فيكل أمره إليه ولا يتوكل فيه إلا عليه، ويجعل يده خزانة ربه ولسانه وصلة بين الله وبين الناس في وصول الأرزاق الروحانية والجسمانية إليهم بالإرشاد والتعليم وصرف المال ودعاء الخير وغير ذلك لينال حظًّا من هذه الصفة. قال القشيري أبو القاسم: من عرف أن الله هو الرزاق أفرده بالقصد إليه وتقرب إليه بدوام التوكل عليه أرسل الشبلي إلى غني أن ابعث إلينا شيئًا من دنياك فكتب إليه سل دنياك من مولاك، فكتب إليه الشبلي الدنيا حقيرة وأنت حقير وإنما أطلب الحقير من الحقير ولا أطلب من مولاي غير مولاي، فسمت همته العلية أن لا يطلب من الله تعالى الأشياء الخسيسة.
ومناسبة الآية للحديث اشتماله على صفتي الرزق والقوة الدالة على القدرة، أما الرزق فمن قوله ويرزقهم، وأما القوة فمن قوله اصبر فإن فيه إشارة إلى القدرة على الإحسان إليهم مع إساءتهم بخلاف طبع البشر فإنه لا يقدر على الإحسان إلى المسيء إلا من جهة تكليفه ذلك شرعًا قاله ابن المنير.