هذا (باب) بالتنوين (في المشيئة والإرادة) فلا فرق بين المشيئة والإرادة إلا عند الكرامية حيث جعلوا المشيئة صفة واحدة أزلية تتناول ما يشاء الله تعالى بها من حيث يحدث والإرادة حادية متعددة بعدد المرادات ويدل لأهل السنة قوله تعالى: (﴿وما تشاؤون إلا أن يشاء الله﴾) قال إمامنا الشافعي: فيما رواه البيهقي عن الربيع بن سليمان عنه المشيئة إرادة الله وقد أعلم الله خلقه أن المشيئة له دونهم فقال وما تشاؤون إلا أن يشاء الله فليست للخلق مشيئة إلا أن يشاء الله تعالى اهـ.
وقد دلت الآية على أنه تعالى خالق أفعال العباد وأنهم لا يفعلون إلا ما يشاء وقال تعالى: ﴿ولو شاء الله ما اقتتلوا﴾ [البقرة: ٢٥٣] ثم أكد ذلك بقوله تعالى: ﴿ولكن الله يفعل ما يريد﴾ فدل على أنه فعل اقتتالهم الواقع بينهم لكونه مريدًا له وإذا كان هو الفاعل لاقتتالهم فهو المريد لمشيئتهم والفاعل فثبت بذلك أن كسب العباد إنما هو بمشيئة الله وإرادته ولو لم يرد وقوعه ما وقع.
وقسم بعضهم الإرادة إلى قسمين إرادة أمر وتشريع، وإرادة قضاء وتقدير، فالأولى تتعلق بالطاعة والمعصية سواء وقعت أم لا، والثانية شاملة لجميع الكائنات محيطة بجميع الحادثات طاعة ومعصية وإلى الأول الإشارة بقوله تعالى: ﴿يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر﴾ [البقرة: ١٨٥] وإلى الثاني بقوله تعالى: ﴿فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجًا﴾ [الأنعام: ١٢٥].
(وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على المجرور السابق وسقط الباب وتاليه لغير أبي ذر فقوله وقول الله تعالى رفع (﴿تؤتي الملك من تشاء﴾ [آل عمران: ٢٦]) وقوله تعالى: (﴿ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدًا * إلا أن يشاء الله﴾ [الكهف: ٢٣، ٢٤]) وقوله تعالى: (﴿إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء﴾ [القصص: ٥٦]) يخلق فعل الاهتداء فيما يشاء فدلت هذه الآيات على إثبات الإرادة والمشيئة لله تعالى وأن العباد لا يريدون شيئًا إلا وقد سبقت إرادة الله تعالى له وأنه الخالق لأعمالهم طاعة أو معصية.
(قال سعيد بن المسيب عن أبيه نزلت) آية ﴿إنك لا تهدي من أحببت﴾ (في أبي طالب) وقد أجمع المفسرون على أنها نزلت فيه كما قاله الزجاج، وهذا التعليق وصله في تفسر سورة القصص.