وقد ورد في سبب نزول الآية شيء آخر غير مناف لما سبق في قصة أُحُد فعند مسلم من حديث أن أنس النبي ﷺ كسرت رباعيته يوم أُحُد وشجّ وجهه حتى سال الدم على وجهه فقال:"كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم" وهو يدعوهم إلى ربهم فأنزل الله: ﴿ليس لك من الأمر شيء﴾ [آل عمران: ١٢٨] وأورده المؤلّف في المغازي معلمًا بنحوه وطريق الجمع بينه وبين حديث ابن عمر المسوق أول هذا الباب أنه ﷺ دعا على المذكورين بعد ذلك في صلاته فأنزل الله الآية في الأمرين جميعًا فيما وقع له من كسر الرباعية وشج الوجه وفيما نشأ عن ذلك من الدعاء عليهم وذلك كله في أُحُد فعاتبه الله تعالى على تعجيله في القول برفع الفلاح عنهم حيث قال: كيف يفلح قوم أي لن يفلحوا أبدًا فقال الله له: ﴿ليس لك من الأمر شيء﴾ أي كيف تستبعد الفلاح وبيد الله أزمة الأمور التي في السماوات والأرض ﴿يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء﴾ [المائدة: ١٨] وليس لك من الأمر إلا التفويض والرضا بما قضى، وسقط لأبي ذر قوله الآية. والحديث رواه النسائي.
(باب قوله) تعالي: (﴿والرسول يدعوكم﴾) مبتدأ وخبر في موضع نصب على الحال ودعوة الرسول إلى عباد الله إلي عباد الله يدعوهم إلى ترك الفرار من العدوّ وإلى الرجعة والكرة (﴿في أخراكم﴾) قال البخاري تبعًا لأبي عبيدة: (وهو) أي أخراكم (تأنيث آخركم) بكسر الخاء المعجمة.
قال في الفتح والعمدة والتنقيح: فيه نظر لأن أخرى تأنيث آخر بفتح الخاء لا كسرها وزاد في التنقيح أفعل تفضيل كفضلى وأفضل، وتعقبه في المصابيح فقال نظر البخاري أدق من هذا وذلك أنه لو جعل أخرى هنا تأنيثًا لآخر بفتح الخاء لم يكن فيه دلالة على التأخر الوجودي، وذلك لأنه أميتت دلالته على هذا المعنى بحسب العرف وصار إنما يدل على الوجهين بالمغايرة فقط تقول: مررت برجل حسن ورجل آخر أي مغاير للأول وليس المراد تأخره في الوجود عن السابق وكذا مررت بامرأة جميلة وامرأة أخرى والمراد في الآية الدلالة على التأخر فلذلك قال تأنيث آخركم كسر الخاء لتصير أخرى دالة على التأخر كما في قالت أولاهم لأخراهم أي المتقدمة للمتأخرة واستعماله في هذا المعنى موجود في كلامهم بل هو الأصل اهـ.
(وقال ابن عباس): مما وصله ابن أبي حاتم في قوله تعالى: (﴿إحدى الحسنيين﴾)[التوبة: ٥٢] أي (فتحًا أو شهادة) ومحل ذكر هذا في سورة براءة على ما لا يخفى واحتمال وقوع إحدى الحسنيين وهي الشهادة وقعت في أُحُد استبعده في العمدة.