فالترخيص في الثلاث يدل على بقاء حكم السفر بخلاف الأربعة، ولا ريب أنه ﵊ في حجة الوداع كان جازمًا بالإقامة بمكة المدة المذكورة.
وأجيب: بأنه ﵊، قدم مكة لأربع خلون من ذي الحجة، فأقام بها غير يومي الدخول والخروج إلى منى، ثم بات بمنى، ثم سار إلى عرفات، ورجع فبات بمزدلفة، ثم سار إلى منى، فقضى نسكه، ثم إلى مكة، فطاف، ثم رجع إلى منى، فأقام بها ثلاثًا يقصر، ثم نفر منها بعد الزوال في ثالث أيام التشريق، فنزل بالمحصب، وطاف في ليلته للوداع، ثم رحل من مكة قبل صلاة الصبح، فلم يقم بها أربعًا في مكان واحد.
وقال أبو حنيفة: يجوز القصر ما لم ينو الإقامة خمسة عشر يومًا.
ورواة هذا الحديث الأربعة كلهم بصريون، وفيه: التحديث والسماع والقول، وأخرجه أيضًا في المغازي، ومسلم في الصلاة، وكذا أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وأخرجه النسائي فيها والحج.
٢ - باب الصَّلَاةِ بِمِنًى
(باب) حكم (الصلاة بمنى) بكسر الميم يذكر ويؤنث. فإن قصد الموضع: فمذكر، ويكتب بالألف وينصرف، وإن قصد البقعة: فمؤنث، ولا ينصرف، ويكتب بالياء. والمختار: تذكيره.
وسمي منًى، لما يمنى فيه، أي: يراق من الدماء. والمراد: الصلاة بها في أيام الرمي.
واختلف في المقيم بها: هل يقصر أو يتم؟.
ومذهب المالكية: القصر حتى أهل مكة وعرفة ومزدلفة للسنة، إلا فليس ثم مسافة قصر، فيتم أهل منى بها، ويقصرون بعرفة ومزدلفة؛ وضابطه عندهم: أن أهل كل مكان يتمون به ويقصرون فيما سواه.
وأجيب بحديث: أنه ﵊. كان يصلّي بمكة ركعتين، ويقول: يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر، رواه الترمذي.
فكأنه ترك إعلامهم بذلك بمنى: استغناء بما تقدم بمكة.
وأجيب: بأن الحديث ضعيف لأنه من رواية علي بن جدعان، سلمنا صحته، لكن القصة كانت في الفتح، ومنى: كانت فى حجة الوداع، فكان لا بد من بيان ذلك لبعد العهد.
١٠٨٢ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ﵁ قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ إِمَارَتِهِ، ثُمَّ أَتَمَّهَا".
[الحديث ١٠٨٢ - طرفه في: ١٦٥٥].