للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لحاجتهم إلى السلامة، وغناه سبحانه عنها، (فإذا صلّى أحدكم) قال ابن رشيد: أي أتمّ صلاته، لكن تعذر الحمل على الحقيقة لأن التشهد لا يكون بعد السلام، فلما تعين المجاز كان حمله على آخر جزء من الصلاة أولى لأنه الأقرب إلى الحقيقة. وقال العيني: أي إذا أتم صلاته بالجلوس في آخرها، فليقل وفي رواية حفص بن غياث فإذا جلس أحدكم في الصلاة (فليقل) بصيغة الأمر المقتضية للوجوب، وفي حديث ابن مسعود عند الدارقطني بإسناد صحيح: وكنا لا ندري ما نقول قبل أن يفرض علينا التشهد (التحيات لله) جمع تحية وهو السلام أو البقاء، أو الملك، أو السلامة من الآفات، أو العظمة أي أنواع التعظيم له، وجمع لأن الملوك كان كل واحد منهم يحييه أصحابه بتحية مخصوصة، فقيل: جميعها لله وهو المستحق لها حقيقة، (والصلوات) أي الخمس واجبة لله، لا يجوز أن يقصد بها غيره، أو هو إخبار عن قصد إخلاصنا له تعالى، أو العبادات كلها، أو الرحمة، لأنه المتفضل بها (والطيبات) التي يصلح أن يثني على الله بها دون ما لا يليق به، أو ذكر الله أو الأقوال الصالحة. أو التحيات: العبادات القولية، والصلوات: العبادات الفعلية، والطيبات: العبادات المالية. وأتى بالصلوات والطيبات منسوقًا بالواو لعطفه على التحيات، أو أن الصلوات مبتدأ خبره محذوف والطيبات معطوف عليها، فالأولى عطف الجملة على الجملة والثانية عطف المفرد على الجملة، قاله البيضاوي.

وقال ابن مالك: إذا جعلت التحيات مبتدأ، أو لم تكن صفة لموصوف محذوف، كان قولك: والصلوات، مبتدأ، لئلا يعطف نعت على منعوته، فيكون من باب عطف الجمل بعضها على بعض، وكل جملة مستقلة بفائدتها. وهذا المعنى لا يوجد عند إسقاط الواو.

وقال العيني: كل واحد من الصلوات والطيبات مبتدأ حذف خبره، أي الصلوات لله، والطيبات لله، فالجملتان معطوفتان على الأولى وهي: التحيات لله ..

(السلام) أي: السلامة من المكاره، أو السلام الذي وجه إلى الرسل والأنبياء، أو الذي سلمه الله عليك ليلة المعراج (عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته). فأل للعهد التقريري، أو المراد حقيقة السلام الذي يعرفه كل أحد عمّن يصدر، وعلى من ينزل، فتكون أل للجنس أو هي للعهد الخارجي إشارة إلى قوله تعالى: ﴿وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾ [النمل: ٥٩]. وأصل سلام عليك: سلمت سلامًا، ثم حذف الفعل وأقيم المصدر مقامه، وعدل عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبوت المعنى واستقراره. وإنما قال: عليك، فعدل عن الغيبة إلى الخطاب مع أن لفظ الغيبة يقتضيه السياق لأنه إتباع لفظ الرسول بعينه حين علم الحاضرين من أصحابه وأمرهم أن يفردوه بالسلام عليه لشرفه ومزيد حقه. (السلام) الذي وجه إلى الأمم السالفة من الصلحاء (علينا) يريد به المصلي نفسه والحاضرين من الإمام والمأمومين والملائكة (وعلى عباد الله الصالحين) القائمين بما عليهم من حقوق الله وحقوق العباد، وهو عموم بعد خصوص.

<<  <  ج: ص:  >  >>