وبه قال:(حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) أي ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري قال: أخبرنا عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي ﷺ) سقط قوله: زوج النبي إلخ. ولأبي ذر وابن عساكر: أنها (أخبرته أن رسول الله ﷺ كان يدعو في) آخر (الصلاة) بعد التشهد قبل السلام، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم مرفوعًا: إذا تشهد أحدكم فليقل: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال) بفتح الميم وكسر السين مخففة.
وقيده بالدجال ليمتاز عن عيسى ابن مريم ﵇، والدجل الخلط. وسمي به لكثرة خلطه الباطل بالحق، أو من دجل: كذب والدجال: الكذاب. وبالمسيح، لأن إحدى عينيه ممسوحة، فعيل بمعنى مفعول، أو لأنه يمسح الأرض أي يقطعها في أيام معدودة، فهو بمعنى فاعل، أو لأن الخير مسح منه فهو مسيح الضلال.
(وأعوذ بك من فتنة المحيا) ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان، أي: الابتلاء بالدنيا والشهوات والجهالات، (وفتنة الممات) ما يفتتن به عند الموت في أمر الخاتمة، أعاذنا الله من ذلك، أضيفت إليه لقربها منه. أو فتنة القبر، ولا تكرار مع قوله أولاً عذاب القبر، لأن العذاب مرتب على الفتنة، والسبب غير المسبب. (اللهم إني أعوذ بك من المأثم) أي ما يأثم به الإنسان، أو هو الإثم نفسه، وضعًا للمصدر موضع الاسم (و) أعوذ بك من (المغرم) أي الدَّين، فيما لا يجوز أو فيما يجوز، ثم يعجز عن أدائه. فأما دين احتاجه وهو قادر على أدائه فلا استعاذة منه، والأول حق الله، والثاني حق العباد.
(فقال له) أي للنبي ﷺ(قائل) في رواية النسائي من طريق معمر عن الزهري أن السائل عائشة، ولفظها: فقلت: يا رسول الله (ما أكثر) بفتح الراء على التعجب (ما تستعيذ من المغرم)؟ في محل نصب به، أي: ما أكثر استعاذتك من المغرم (فقال)﵊:
(إن الرجل إذا غرم) بكسر الراء، وجواب قوله:(حدث فكذب) بأن يحتج بشيء في وفاء ما عليه ولم يقم به، فيصير كاذبًا. وذال كذب مخففة وهو عطف على حدث. (ووعد فأخلف). كأن قال لصاحب الدين: أوفيك دينك في يوم كذا، ولم يوف، فيصير مخلفًا لوعده. والكذب وخلف الوعد من صفات المنافقين. وللحموي والمستملي: وإذا وعد أخلف. وهذا الدعاء صدر منه ﵊ على سبيل التعليم لأمته، وإلاّ فهو ﵊ معصوم من ذلك، أو أنه سلك به طريق التواضع، وإظهار العبودية، وإلزام خوف الله تعالى، والافتقار إليه ولا يمنع تكرار الطلب مع تحقّق الإجابة لأن ذلك يحصل الحسنات، ويرفع الدرجات.