واشترط الحنفية لإقامتها المصر أو فناءه، لقوله ﵊: "لا جمعة ولا تشريق إلاّ في مصر جامع". رواه عبد الرزاق.
وأجابوا عن قوله جؤاثى: إنها مدينة، كما قاله البكري، وقول امرئ القيس:
ورحنا كأنا من جؤاثى عشية … نعالي النعاج بين عدل ومحقب
يريد: كأنا من تجار جؤاثى لكثرة ما معهم من الصيد، وأراد: كثرة أمتعة تجار جؤاثى، وكثرة الأمتعة تدل غالبًا على كثرة التجار، وكثرة التجار تدل على أن جؤاثى مدينة قطعًا، لأن القرية لا يكون فيها تجار غالبًا عادة، ولئن سلمنا أنها قرية، فليس في الحديث أنه ﵊ اطّلع على ذلك وأقرّهم عليه. اهـ.
وقد سبق في نفس الحديث من رواية وكيع: أنها قرية من قرى البحرين، وفي أخرى عنه: من قرى عبد القيس. وكذا للإسماعيلي من رواية محمد بن أبي حفصة، عن ابن طهمان، وهو نص في موضع النزاع، فالمصير إليه أولى من قول البكري وغيره، على أنه يحتمل أنها كانت في الأول قرية، ثم صارت مدينة.
والظاهر أن عبد القيس لم يجمعوا إلا بأمر النبي ﷺ، لما عرف من عادة الصحابة من عدم الاستبداد بالأمور الشرعية في زمن الوحي، ولأنه لو كان ذلك لا يجوز لنزل فيه القرآن، كما استدل جابر وأبو سعيد على جواز العزل، بأنهم فعلوه والقرآن ينزل، فلم ينهوا عنه.
والمصر عند أبي حنيفة، ﵀: كل بلدة فيها ملك وأسواق ولها رساتيق ووالٍ لدفع الظلم، وعالم يرجع إليه في الحوادث.
وعند أبي يوسف، ﵀: كل موضع له أمير وقاضٍ ينفذ الأحكام، وهو مختار الكرخي، وعنه أيضًا أن: يبلغ سكانه عشرة آلاف، وأما فناؤه فهو ما أعدّ لحوائج المصر، من: ركض الخيل، والخروج للرمي، وغيرهما.
وفي الخانية: لا بدّ أن يكون متصلاً بالمصر، حتى لو كان بينه وبين المصر فرجة، من المزارع والمراعي لا يكون فناء له، ومقدار التباعد أربعمائة ذراع، وعند أبي يوسف ميلان. اهـ.
ورواة هذا الحديث ما بين بصري وهروي، وفيه التحديث والعنعنة والقول.
٨٩٣ - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ». وَزَادَ اللَّيْثُ قَالَ: يُونُسُ كَتَبَ رُزَيْقُ بْنُ حُكَيْمٍ إِلَى ابْنِ شِهَابٍ -وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَئِذٍ بِوَادِي الْقُرَى-: هَلْ تَرَى أَنْ أُجَمِّعَ؟ وَرُزَيْقٌ عَامِلٌ عَلَى أَرْضٍ يَعْمَلُهَا وَفِيهَا جَمَاعَةٌ مِنَ السُّودَانِ وَغَيْرِهِمْ، وَرُزَيْقٌ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَيْلَةَ، فَكَتَبَ ابْنُ شِهَابٍ -وَأَنَا أَسْمَعُ- يَأْمُرُهُ أَنْ يُجَمِّعَ، يُخْبِرُهُ أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ