الوحش لأنها أشد نفرة من سائر الحيوانات، (فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس) بهمزة ثم مثناة تحتية جملة حالية بتقدير قد، وفي رواية الأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني يئس بتقديم الياء على الهمزة وهما بمعنى والأوّل مقلوب من الثاني أي قنط، (من الإيمان) أي من إيمانهم لما أظهروه، ومن إيمانه لكونه شح بملكه: وكان يحب أن يطيعوه فيستمر ملكه ويسلم ويسلمون. (قال: ردّوهم عليّ وقال) لهم (إنّي قلت مقالتي آنفًا) بالمد مع كسر النون، وقد تقصر، وهو نصب على الظرفية. أي. قلت مقالتي هذه الساعة حال كوني (اختبر). أي امتحن (بها شدتكم) أي رسوخكم (على دينكم فقد رأيت) شدتكم، فحذف المفعول للعلم به مما سبق. وعند المؤلف في التفسير فقد رأيت منكم الذي أحببت. (فسجدوا له) حقيقة على عادتهم لملوكهم أو قبلوا الأرض بين يديه لأن ذلك ربما كان كهيئة السجود، (ورضوا عنه فكان ذلك آخر) بالنصب خبر كان (شأن هرقل) فيما يتعلق بهذه القصة خاصة، أو فيما يتعلق بالإيمان، فإنه قد وقعت له أمور من تجهيز الجيش إلى مؤتة وتبوك ومحاربته للمسلمين، وهذا يدل ظاهره على استمراره على الكفر، ولكن يحتمل مع ذلك أنه كان يضمر الإيمان ويفعل هذه المعاصي مراعاة لمملكته وخوفًا من أن يقتله قومه، إلا أن في مسند أحمد أنه كتب من تبوك إلى النبي ﷺ إني مسلم قال النبي ﷺ: بل هو على نصرانيته الحديث.
(رواه) أي حديث هرقل، وفي رواية ابن عساكر، ورواه بواو العطف، وفي رواية قال محمد أي البخاري رواه (صالح بن كيسان) بفتح الكاف أبو محمد أو أبو الحرث الغفاري بكسر الغين المعجمة مخفف الفاء المدني المتوفى بعد الأربعين ومائة أو سنة خمس وأربعين ومائة عن مائة سنة ونيف وستين سنة.
(و) رواه أيضًا (يونس) بن يزيد الأيلي، (و) رواه (معمر) بفتح الميمين بينهما عين ساكنة ابن راشد الثلاثة (عن الزهري). فالأول أخرجه المصنف في الجهاد من طريق إبراهيم بن سعد عن صالح عن الزهري، لكنه انتهى عند قول أبي سفيان حتى أدخل الله عليّ الإسلام وكذا مسلم، والثاني أيضًا بهذا الإسناد في الجهاد مختصرًا من طريق الليث، وفي الاستئذان أيضًا مختصرًا من طريق ابن المبارك كلاهما عن يونس عن الزهري بسنده بعينه، والثالث أيضًا بتمامه في التفسير. فالأحاديث الثلاثة عند المصنف عن غير أبي اليمان والزهري إنما رواها لأصحابه بسند واحد عن شيخ واحد وهو عبيد الله بن عبد الله، وفي هذا الحديث من لطائف الإسناد رواية حمصي عن حمصي عن شامي عن مدني، وأخرج متنه المؤلف هنا. وفي الجهاد والتفسير في موضعين، وفي الشهادات والجزية والأدب في موضعين، وفي الإيمان والعلم والأحكام والمغازي وخبر الواحد والاستئذان، وأخرجه مسلم في المغازي، وأبو داود في الأدب، والترمذي في الاستئذان، والنسائي في التفسير. ولم يخرجه ابن ماجة ووجه مناسبة ذكر هذا الحديث في هذا الباب أنه مشتمل على ذكر جمل من أوصاف من يوحى إليه، والباب في كيفية بدء الوحي، وأيضًا فإنّ قصة هرقل متضمنة كيفية حاله ﷺ في ابتداء الأمر.