وبالسند قال. (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة)﵁(أن رسول الله، ﷺ، ذكر يوم الجمعة فقال):
(فيه ساعة) أبهمها هنا كليلة القدر، والاسم الأعظم، والرجل الصالح، حتى تتوفر الدواعي على مراقبة ذلك اليوم.
وقد روي:"إن لربكم في أيام دهركم نفحات، ألا فتعرضوا لها"، ويوم الجمعة من جملة تلك الأيام، فينبغي أن يكون العبد في جميع نهاره متعرضًا لها بإحضار القلب، وملازمة الذكر والدعاء، والنزوع عن وساوس الدنيا، فعساه يحظى بشيء من تلك النفحات.
وهل هذه الساعة باقية أو رفعت؟
وإذا قلنا بأنها باقية، وهو الصحيح، فهل هي في جمعة واحدة من السنة؟ أو في كل جمعة منها؟
قال بالأول كعب الأحبار لأبي هريرة، وردّه عليه فرجع لما راجع التوراة إليه. والجمهور على وجودها في كل جمعة.
ووقع تعيينها في أحاديث كثيرة: أرجحها حديث مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، مرفوعًا:"أنها ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقضى الصلاة". رواه مسلم وأبو داود.
وقول عبد الله بن سلام، المروي عند مالك، وأبي داود والترمذي والنسائي، وابن خزيمة، وابن حبان، من حديث أبي هريرة أنه قال لعبد الله بن سلام: أخبرني ولا تضنّ. فقال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعة في يوم الجمعة. قال أبو هريرة: فقلت: كيف تكون آخر ساعة في يوم الجمعة وقد قال رسول الله ﷺ: "لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلّي … " وتلك الساعة لا يصلّى فيها؟ فقال عبد الله بن سلام: ألم يقل رسول الله ﷺ: "من جلس مجلسًا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلّي … " الحديث.
واختلف أيّ الحديثين أرجح؟ فرجح مسلم، فيما ذكره البيهقي، حديث أبي موسى، وبه قال جماعة منهم ابن العربي، والقرطبي، وقال: هو نص في موضع الخلاف فلا يلتفت إلى غيره، وجزم في الروضة بأنه الصواب. ورجحه بعضهم أيضًا بكونه مرفوعًا صريحًا، وبأنه في أحد الصحيحين.
وتعقب بأن الرجيح بما فيهما، أو في أحدهما، إنما هو حيث لم يكن مما انتقده الحفاظ، وهذا قد انتقد لأنه أعلّ بالانقطاع والاضطراب، لأن مخرمة بن بكير لم يسمع من أبيه، قاله أحمد، عن حماد بن خالد، عن مخرمة نفسه.