أصحابنا المتقدمون في معنى قول الشافعي إرسال سعيد بن المسيب عندنا حسن على قولين، أحدهما أنه حجة عنده بخلاف غيرها من المراسيل لأنها وجدت مسندة، ثانيهما أنها ليست بحجة عنده بل كغيرها، وإنما رجح الشافعي بمرسله، والترجيح بالمرسل جائز. قال الخطيب: والصواب الثاني.
وأما الأول فليس بشيء لأن في مراسيل سعيد ما لم يوجد بحال من وجه يصح، وأما مرسل الصحابيّ كابن عباس وغيره من صغار الصحابة عنه ﷺ مما لم يسمعوه منه فهو حجة، وإذا تعارض الوصل والإرسال بأن تختلف الثقات في حديث فيرويه بعضهم متصلاً وآخر مرسلاً، كحديث "لا نكاح إلا بولي" رواه إسرائيل وجماعة عن أبي إسحق السبيعي عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي ﷺ. ورواه الثوري وشعبة عن أبي إسحق عن أبي بردة عن النبي ﷺ، فقيل الحكم للمسند إذا كان عدلاً ضابطًا، قال الخطيب وهو الصحيح، وسئل عنه البخاري فحكم لمن وصل، وقال الزيادة من الثقة مقبولة، هذا مع أن المرسل شعبة وسفيان ودرجتهما من الحفظ والإتقان معلومة، وقيل الحكم للأكثر، وقيل للأحفظ، وإذا قلنا به وكان المرسل الأحفظ فلا يقدح في عدالة الواصل وأهليته على الصحيح، وإذا تعارض الرفع والوقف بأن يرفع ثقة حديثًا وقفه ثقة غيره، فالحكم للرافع لأنه مثبت وغيره ساكت، ولو كان نافيًا، فالمثبت مقدّم وتقبل زيادة الثقات مطلقًا على الصحيح، سواء كانت من شخص واحد، بأن رواه مرّة ناقصًا ومرّة أخرى وفيه تلك الزيادة، أو كانت الزيادة من غير من رواه ناقصًا، وقيل بل مردودة مطلقًا، وقيل مردودة منه مقبولة من غيره، وقال الأصوليون إن اتحد المجلس ولم يحتمل غفلته عن تلك الزيادة غالبًا ردّت، وإن احتمل قبلت عند الجمهور، وإن جهل تعدد المجلس، فأولى بالقبول من صورة اتحاده، وإن تعددت يقينًا قبلت اتفافًا.
والمقطوع ما جاء عن تابعي من قوله أو فعله موقوفًا عليه وليس بحجة.
والمنقطع ما سقط من رواته واحد قبل الصحابيّ، وكذا من مكانين وأكثر، بحيث لا يزيد كل ما سقط منها على راوٍ واحد.
والمعضل ما سقط من رواته قبل الصحابيّ اثنان فأكثر، مع التوالي، كقول مالك قال رسول الله ﷺ، ولعدم التقيد باثنين، قال ابن الصلاح إن قول المصنفين قال رسول الله ﷺ من قبيل المعضل، ومنه أيضًا حذف لفظ النبي والصحاب معًا، ووقف المتن على التابعي، كقول الأعمش عن الشعبي "يقال للرجل يوم القيامة عملت كذا وكذا فيقول ما عملته فتنطق جوارحه" الحديث.
والمعنعن الذي قيل فيه فلان عن فلان، من غير لفظ صريح بالسماع أو التحديث أو الإخبار أتى عن رواة مسمين معروفين موصول عند الجمهور، بشرط ثبوت لقاء المعنعنين بعضهم بعضًا ولو مرة، وعدم التدليس من المعنعن، لكن في شرطية ثبوت اللقاء بينهما. وكذا طول الصحبة ومعرفة الرواية للمعنعن عن المعنعن عنه خلف، صرح باشتراط اللقاء علي بن المديني وعليه البخاري، وجعلاه شرطًا في أصل الصحة، وعزاه النووي للمحققين، وهو مقتضى كلام الشافعي، ولم يشترطه مسلم بل أنكر اشتراطه في مقدمة صحيحه، وادّعى أنه قول مخترع لم يسبق قائله إليه.