أو: لعدم ما يكنها (وانقطعت السبل) لتعذر سلوكها من كثرة، المطر، (فادع الله يمسكها عنا) بالجزم على الطلب، ولأبي ذر، والأصيلي: أن يمسكها. وفي رواية قتادة: فادع ربك يحبسها عنا. فضحك، وفي رواية ثابت: فتبسم، وزاد في رواية حميد: لسرعة ملال ابن آدم.
(قال: فرفع رسول الله ﷺ يديه)، ثم (قال: اللهم حوالينا ولا علينا) فيه حذف، أي: أمطر في الأماكن التي حوالينا، ولا تمطر علينا.
وفي إدخال الواو في قوله: ولا علينا معنى دقيق، وذلك أنه: لو أسقطها لكان مستسقيًا للاكام والظراب، ونحوها، مما لا يستسقى له لقلة الحاجة إلى الماء هنالك. وحيث أدخل الواو: آذن بأن طلب المطر على هذه الجهات ليس مقصودًا لعينه، ولكن ليكون وقاية من أذى المطر على نفس المدينة، فليست الواو ومتمحضة للعطف ولكنها كواو التعليل وهو كقولهم: تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها. فإن الجوع ليس مقصودًا لعينه ولكن لكونه مانعًا من الرضاعة بأجرة إذ كانوا يكرهون ذلك. اهـ.
قال ابن الدماميني، بعد أن نقل ذلك عن ابن المنير: فليست الواو مخلصة للعطف، ولكنها كواو التعليل وفائه. فالمراد أنه إن سبق في قضائك أن لا بد من المطر، فاجعله حول المدينة.
ويدل على أن الواو ليست لمحض العطف اقترانها بحرف النفي، ولم يتقدم مثله. ولو قلت: اضرب زيدًا ولا عمرًا ما استقام على العطف.
قلت: لم يستقم لي إجراء هذا الكلام على القواعد، وليس لنا في كلام العرب واو وضعت للتعليل، وليست لا هنا للنفي، وإنما هي الدعائية مثل: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤاخِذْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] فالمراد: أنزل المطر حوالينا حيث لا نستضر به، ولا تنزله علينا حيث نستضر به. فلم يطلب منع الغيث بالكلية، وهو من حسن الأدب في الدعاء، لأن الغيث رحمة الله ونعمته المطلوبة، فكيف يطلب منه رفع نعمته؟ وكشف رحمته؟ وإنما يُسأل سبحانه كشف البلاء، والمزيد من النعماء، وكذا فعل ﵊. فإنما سأل جلب النفع، ودفع الضرر، فهو استسقاء بالنسبة إلى محلين. والواو: لمحض العطف، ولا: جازمة لا نافية ولا إشكال البتة.
ولو حذفت الواو، وجعلت لا نافية، وهي مع ذلك للعطف لاستقام الكلام. لكن أوثر الأوّل، والله أعلم، لاشتماله على جملتين طلبيتين، والمقام يناسبه.
(اللهم) أنزله (على الآكام) بكسر الهمزة وبفتحها مع المدّ، وهي: ما دون الجبل وأعلى من الرابية (و) على (الظراب) بكسر المعجمة: الروابي الصغار: وقيل فيهما غير ذلك، كما مر (وبطون الأودية ومنابت الشجر قال فأقلعت) بفتح الهمزة من الإقلاع أي: كفت وأمسكت السحابة الماطرة عن المدينة.