أي: هاج (أمثال الجبال) لكثرته (ثم لم ينزل)﵊(عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته) المقدسة، وهذا موضع الترجمة، لأن تفعّل، في قوله: تمطر، كما قال في الفتح: الأليق به هنا أن يكون بمعنى مواصلة العمل في مهلة، نحو: تفكّر.
وكأن المؤلّف أراد أن يبين أن تحادر المطر على لحيته ﵊، لم يكن اتفاقًا إذ كان يمكنه التوقي منه بثوب ونحوه، كما قاله في المصابيح، أو بنزوله عن المنبر أول ما وكف السقف، لكنه تمادى في خطبته حتى كثر نزوله بحيث تحادر على لحيته، كما قاله في الفتح، فترك فعل ذلك قصدًا للتمطر.
وتعقبه العيني: بأن، يأتي لمعان: للتكلف، كتشجع لأن معناه كلف نفسه الشجاعة، وللاتخاذ: نحو: توسدت التراب، أي اتخذته وسادة. وللتجنب: نحو، تأثم أي جانب الإثم. وللعمل: يعني فيدل على أن أصل الفعل حصل مرة بعد مرة نحو: تجرعته، أي شربته جرعة بعد جرعة.
قال ولا دليل في قوله: حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته، على التمطر الذي هو من التفعل الدال على التكلف، ودعوى أنه قصد التمطر لا برهان عليها، وليس في الحديث ما يدل لها.
واستدلاله بقوله: لأنه لو لم يكن باختياره لنزل عن المنبر لا يساعده لأن لقائل أن يقول: عدم نزوله عن المنبر، إنما كان لئلا يقطع الخطبة. كذا قال فليتأمل.
(قال) أنس (فمطرنا يومنا) ظرف، أي: في يومنا (ذلك، وفي الغد) ولأبوي ذر: والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: ومن الغد (ومن بعد الغد والذي يليه إلى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي أو) قال أنس: قام (رجل غيره) ولا منافاة بين تردد أنس هنا وبين قوله في الرواية الأخرى: فأتى الرجل بالألف واللام المفيدة للعهد الذكري إذ ربما نسي، ثم تذكر، أو كان ذاكرًا ثم نسي.
(فقال: يا رسول الله! تهدم البناء وغرق المال) من كثرة المطر (فادع الله لنا) يمسكها عنا. (فرفع رسول الله ﷺ يديه، وقال) بالواو، ولأبي ذر وابن عساكر. وأبي الوقت: فقال:
(اللهم) أي: يا الله أنزل المطر (حوالينا ولا) تنزله (علينا) وفي بعض الروايات: حولنا من غير ألف، وهما بمعنى. وهو في موضع نصب إما على الظرف، وإما على المفعول به.
والمراد بحوالى المدينة: مواضع النبات أو الزرع، لا في نفس المدينة وبيوتها، ولا فيما حوالى المدينة من الطرق، إلا لم تزل بذلك شكواهم جميعًا.
ولم يطلب ﵊ رفع المطر من أصله، بل سأل رفع ضرره، وكشفه عن البيوت والمرافق والطرق، بحيث لا يتضرر به ساكن ولا ابن سبيل، بل سأل إبقاءه في مواضع الحاجة، لأن