للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(لا ينكسفان لموت أحد) إذ هما خلقان مسخران، ليس لهما سلطان في غيرهما، ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما، وزاد أبو ذر هنا: ولا لحياته. بلام قبل الحاء، وله في أخرى: ولا حياته بحذفها (ولكن الله تعالى يخوف بها) أي بالكسفة، وللأصيلي، وابن عساكر: بهما (عباده) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ولكن يخوف الله بهما عباده. ولأبي ذر عن الكشميهني: ولكن الله يخوّف بها عباده.

فالكسوف من آياته تعالى المخوّفة. أما إنه آية من آيات الله فلأن الخلق عاجزون عن ذلك، وأما إنه من الآيات المخوفة فلأن تبديل النور بالظلمة تخويف، والله تعالى إنما يخوف عباده ليتركوا المعاصي، ويرجعوا لطاعته التي بها فوزهم، وأفضل الطاعات بعد الإيمان الصلاة.

وفيه رد على أهل الهيئة حيث قالوا: إن الكسوف أمر عادي لا تأخير فيه ولا تقديم. لأنه لو كان كما زعموا لم يكن فيه تخويف ولا فزع، ولم يكن للأمر بالصلاة والصدقة معنى:

ولئن سلمنا ذلك، فالتخويف باعتبار أنه يذكر القيامة لكونه إنموذخًا قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧) وَخَسَفَ الْقَمَرُ﴾ [القيامة: ٧ - ٨] … ومن ثم، قام فزعًا، فخشي أن تكون الساعة، كما في رواية أخرى.

وكان إذا اشتد هبوب الرياح تغير ودخل وخرج خشية أن تكون كريح عاد، وإن كان هبوب الرياح أمرًا عاديًا. وقد كان أرباب الخشية والمراقبة يفزعون من أقل من ذلك إذ كل ما في العالم، علويه وسفليه، دليل على نفوذ قدرة الله تعالى، وتمام قهره.

فإن قلت: التخويف عبارة عن إحداث الخوف بسبب، ثم قد يقع الخوف وقد لا يقع، وحينئذ يلزم الخلف في الوعيد.

فالجواب كما في المصابيح: المنع، لأن الخلف وضده من عوارض الأقوال، وأما الأفعال، فلا. إنما هي من جنس المعاريض، والصحيح عندنا فيما يتميز به الواجب، أنه التخويف ولهذا لم يلزم الخلف على تقدير المغفرة.

فإن قيل: الوعيد لفظ فكيف يخلص من الخلف؟.

فالجواب: أن لفظ الوعيد عام أريد به الخصوص، غير أن كل واحد يقول: لعلي داخل في العموم، فيحصل له التخويف، فيحصل الخوف وإن كان الله تعالى لم يرده في العموم، ولكن أراد تخويفه بإيراد العموم، وستر العاقبة عنه في بيان أنه خارج منه، فيجتمع حينئذ الوعيد والمغفرة، ولا خلف. ومصداقه في قوله تعالى: ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ [الإسراء: ٥٩] قاله الدماميني.

(وقال أبو عبد الله) أيّ البخاري، وسقط ذلك كله للأربعة (لم) ولأبي الوقت، والأصيلي، وابن عساكر: ولم (يذكر عبد الوارث) بن سعيد التنوري بفتح المثناة الفوقية وتشديد النون، البصري

<<  <  ج: ص:  >  >>