وقال صاحب المظهر: لأنه لو تناوله ورآه الناس لكان إيمانهم بالشهادة لا بالغيب، فيخشى أن يقع رفع التوبة، قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ﴾ [الأنعام: ١٥٨] وقال غيره: لأن الجنة جزاء الأعمال، والجزاء لا يقع إلا في الآخرة.
(ورأيت النار) بضم الهمزة وكسر الراء، مبنيًا للمفعول، وأقيم المفعول الذي هو الرائي في الحقيقة مقام الفاعل، والنار نصب مفعول ثانٍ لأن أريت من الإراءة، وهو يقتضي مفعولين، ولغير أبي ذر كما في الفتح: ورأيت بتقديم الراء على الهمزة مفتوحتين.
وكانت رؤيته النار قبل رؤيته للجنة، كما يدل له رواية عبد الرزاق حيث قال فيها: عرضت على النبي، ﷺ النار، فتأخر عن مصلاه حتى إن الناس ليركب بعضهم بعضًا، وإذ رجع عرضت عليه الجنة، فذهب يمشي حتى وقف في مصلاه.
ويؤيده حديث مسلم، حيث قال فيه: قد جيء بالنار، وذلك حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها. وفيه: ثم جيء بالجنة، حين رأيتموني تقدّمت حتى قمت مقامي … الحديث.
واللام في النار للعهد، أي: رأيت نار جهنم.
(فلم أر منظرًا كاليوم قط) منظرًا نصب بـ "أَرَ" وقط بتشديد الطاء وتخفيفها، ظرف للماضي، وقوله: (أفظع) أقبح وأشنع وأسوأ صفة للمنصوب، وكاليوم قط اعتراض بين الصفة والموصوف، وأدخل كاف التشبيه عليه لبشاعة ما رأى فيه.
وجوّز الخطابي في: أفظع وجهين: أن يكون بمعنى فظيع، كأكبر بمعنى كبير، وأن يكون أفعل تفضيل على بابه على تقدير منه. فصفة أفعل التفضيل محذوفة.
قال ابن السيد:
العرب تقول: ما رأيت كاليوم رجلاً، وما رأيت كاليوم منظرًا. والرجل والمنظر لا يصح أن يشبها باليوم.
والنحاة تقول: معناه ما رأيت كرجل أراه اليوم رجلاً: وما رأيت كمنظر رأيته اليوم منظرًا، وتلخيصه: ما رأيت كرجل اليوم رجلاً، وكمنظر اليوم منظرًا، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وجازت إضافة الرجل والمنظر إلى اليوم لتعلقهما به، وملابستهما له، باعتبار رؤيتهما فيه.
وقال غيره: الكاف هنا اسم، وتقديره: ما رأيت مثل منظر هذا اليوم منظرًا. ومنظرًا تمييز.
ومراده باليوم: الوقت الذي هو فيه، ذكره الدماميني والبرماوي؛ لكن تعقب الدماميني الأخير، وهو قوله: وقال غيره … الخ، بأن اعتباره في الحديث يلزم منه تقدم التمييز على عامله، والصحيح منعه، فالظاهر في إعرابه أن منظرًا: مفعول أر، وكاليوم: ظرف مستقر، صفة له وهو