وَقَالَ سَلْمَانُ: مَا لِهَذَا غَدَوْنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ ﵁: إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنِ اسْتَمَعَهَا.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا يَسْجُدُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا، فَإِذَا سَجَدْتَ وَأَنْتَ فِي حَضَرٍ فَاسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، فَإِنْ كُنْتَ رَاكِبًا فَلَا عَلَيْكَ حَيْثُ كَانَ وَجْهُكَ. وَكَانَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ لَا يَسْجُدُ لِسُجُودِ الْقَاصِّ.
(باب من رأى أن الله ﷿ لم يوجب السجود) لحديث الباب الآتي إن شاء الله تعالى، ولحديث زيد بن ثابت السابق قريبًا: أنه قرأ على النبي ﷺ ﴿والنجم﴾ فلم يسجد فيها.
وأما قوله تعالى: ﴿فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا﴾ [النجم: ٦٢] وقوله: ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾ [العلق: ١٩] فمحمول على الندب أو على أن المراد به سجود الصلاة، أو في الصلاة المكتوبة على الوجوب، وفي سجود التلاوة على الندب على قاعدة الشافعي في حمل المشترك على معنييه.
وأوجبه الحنفية لأن آيات السجدة كلها دالة على الوجوب لاشتمال بعضها على الأمر بالسجود لأن مطلق الأمر للوجوب، واحتواء بعضها على الوعيد الشديد على تركه، وانطواء بعضها على استنكاف الكفرة عن السجود، والتحرز عن التشبه بهم واجب، وذلك بالسجود وانتظام بعضها على الإخبار عن فعل الملائكة والاقتداء بهم لازم لأن فيه تبرأ من الشيطان حيث لم يقتد به.
وحديث زيد لا ينفي الوجوب لأنه لا يقتضي إلا تركها متصلة بالتلاوة، والأمر في الآيتين للوجوب لتجرده عن القرينة الصارفة عن الوجوب، وحمله على سجود الصلاة يحتاج إلى دليل.
واستعماله في الصلاة المكتوبة على الوجوب، وفي سجدة التلاوة على الندب، استعمال لمفهومين مختلفين في حالة واحدة وهو ممتنع. انتهى.
واحتج الطحاوي للندبية بأن الآيات التي في سجود التلاوة منها ما هو بصيغة الخبر، ومنها ما هو بصيغة الأمر. وقد وقع الخلاف في التي بصيغة الأمر: هل فيها سجود أو لا، وهي: ثانية الحج، وخاتمة النجم، واقرأ. فلو كان سجود التلاوة واجبًا لكان ما ورد بصيغة الأمر أولى أن يتفق على السجود فيه مما ورد بصيغة الخبر.
(وقيل لعمران بن حصين) مما وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح بمعناه: (الرجل يسمع السجدة ولم يجلس لها) أي: لقراءة السجدة، أي لا يكون مستمعًا؟ (قال) عمران: (أرأيت) أي: أخبرني (لو قعد لها؟) وهمزة: أرأيت. للاستفهام الإنكاري قال المؤلّف: (كأنه) أي عمران (لا يوجبه) أي: السجود (عليه) أي الذي قعد لها للاستماع. وإذا لم يجب على المستمع فعدمه على السامع أولى.
(وقال سلمان) الفارسي، مما وصله عبد الرزاق بإسناد صحيح من طريق أبي عبد الرحمن السلمي، قال: مر سلمان على قوم قعود فقرؤوا السجدة، فسجدوا، فقيل له، فقال: (ما لهذا) أي: للسماع (غدونا) أي: لم نقصده، فلا نسجد.