وبالسند إلى المؤلف قال:(حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع الحمصي (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة القرشي (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو إدريس عائذ الله) بالمعجمة وهو اسم علم أي ذو عياذة الله فهو عطف بيان لقوله أبو إدريس (بن عبد الله) الصحابي ابن عمر الخولاني الدمشقي الصحابي، لأن مولده كان عام حُنين، التابعي الكبير من حيث الرواية المتوفى سنة ثمانين، (أن عبادة) بضم العين (ابن الصامت) بن قيس الأنصاري الخزرجي المتوفى بالرملة سنة أربع وثلاثين وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، وقيل: في خلافة معاوية سنة خمس وأربعين، وله في البخاري تسعة أحاديث (﵁ وكان شهد بدرًا) أي وقعتها، فالنصب بقوله شهد وليس مفعولاً فيه، (وهو أحد النقباء) جمع نقيب، وهو الناظر على القوم وضمينهم وعريفهم وكانوا اثني عشر رجلاً (ليلة العقبة) بمنى، أي فيها والواو في وهو كواو وكان هي الداخلة على الجملة الموصوف بها لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، وإفادة أن اتصافه بها أمر ثابت ولا ريب أن كون شهود عبادة بدر أو كونه من النقباء صفتان من صفاته، ولا يجوز أن تكون الواوان للحال ولا للعطف، قاله العيني. وهذا ذكره ابن هشام في مغنيه حاكيًا له عن الزمخشري في كشافه، وعبارته في تفسير قوله تعالى في سورة الحجر ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُوم﴾ [الحجر: ٤] جملة واقعة صفة لقرية، والقياس أنه لا يتوسط الواو بينهما كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُون﴾ [الشعراء: ٢٠٨] وإنما توسطت الواو لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، كما يقال في الحال: جاءني زيد عليه ثوب وجاءني وعليه ثوب انتهى.
وتعقبه ابن مالك في شرح تسهيله بأن ما ذهب إليه من توسط الواو بين الصفة والموصوف فاسد، لأن مذهبه في هذه المسألة لا يعرف من البصريين ولا من الكوفيين معوّل عليه، فوجب أن لا يلتفت إليه. وأيضًا فإنه معلل بما لا يناسب، وذلك لأن الواو تدل على الجمع بين ما قبلها وما بعدها، وأيضًا مستلزم لتغايرهما، وهو ضد لما يراد من التأكيد، فلا يصح أن يقال للعاطف مؤكد.
وأيضًا لو صلحت الواو لتأكيد لصوق الموصوف بالصفة لكان أولى المواضع بها موضعًا لا يصلح للحال، نحو إن رجلاً رأيه سديد لسعيد، فرأيه سديد جملة نعت بها، ولا يجوز اقترانها بالواو ولعدم صلاحيتها للحال، بخلاف ﴿ولها كتاب معلوم﴾ فإنها جملة يصلح في موضعها الحال لأنها بعد نفي.
وتعقبه نجم الدين سعيد على الوجه الأوّل بأن الزمخشري أعرف باللغة مع أنه لا يلزم من عدم العرفان بالمعوّل عليه عدمه، وعلى الثاني أن تغاير الشيئين لا ينافي تلاصقهما، والجملة التي هي صفة لها التصاق بالموصوف، والواو أكدت الالتصاق باعتبار أنها في أصلها للجمع المناسب للإلصاق لا أنها عاطفة، وعلى الثالث أن المراد من الالتصاق ليس الالتصاق اللفظي كما فهمه ابن مالك بل المعنوي، والواو تؤكد الثاني دون الأوّل.