(قال: ما عملت عملاً أرجى عندي) من (أني) بفتح الهمزة، ومن المقدرة قبلها، صلة لأفعل التفضيل، وثبتت في رواية مسلم، وللكشميهني: أن، بنون خفيفة بدل أني (لم أتطهر طهورًا) زاد مسلم: تامًا، والظاهر أنه لا مفهوم له، أي: أتوضأ وضوءًا (في ساعة ليل أو نهار) بغير تنوين ساعة على الإضافة، كما في بعض الأصول المقابل على اليونينية، ورأيته بها كذلك، وفي بعضها: ساعة، بالتنوين وجر: ليل، على البدل. وهو الذي ضبطه به الحافظ ابن حجر، والعيني، ولم يتعرض لضبطه البرماوي كالكرماني.
ونكر ساعة لإفادة العموم فتجوز هذه الصلاة في الأوقات المكروهة.
وعورض: بأن الأخذ بعموم هذا ليس بأولى من الأخذ بعموم النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة.
وأجيب: بأنه ليس فيه ما يقتضي الفورية، فيحمل على تأخير الصلاة قليلاً ليخرج وقت الكراهة، ورُدّ بأنه في حديث بريدة، عند الترمذي وابن خزيمة، في نحو هذه القصة: ما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها. ولأحمد من حديثه: إلا توضأت وصليت ركعتين. فدلّ على أنه كان يعقب الحدث بالوضوء الوضوء بالصلاة في أي وقت كان.
(إلا صليت) زاد الإسماعيلي: لربي (بذلك الطهور) بضم الطاء (ما كتب لي أن أصلي) أي: ما قدّر عليّ أعم من النوافل والفرائض، ولأبي ذر: ما كتب إلي بتشديد الياء. وكتب على صيغة المجهول، والجملة في موضع نصب، و: أن أصلي، في موضع رفع.
قال ابن التين: إنما أعتقد بلال ذلك لأنه علم من النبي، ﷺ، أن الصلاة أفضل الأعمال. وأن عمل السر أفضل من عمل الجهر.
قال في الفتح: والذي يظهر أن المراد بالأعمال التي سأله عن أرجاها، الأعمال المتطوّع بها، وإلا فالمفروض أفضل قطعًا. اهـ.
والحكمة في فضل الصلاة على هذا الوجه من وجهين:
أحدهما: إن الصلاة عقب الطهور أقرب، إلى اليقين منها إذا تباعدت لكثرة عوارض الحدث من حيث لا يشعر المكلف.
ثانيهما: ظهور أثر الطهور باستعماله في استباحة الصلاة وإظهار آثار الأسباب مؤكد لها ومحقق. وتقدم بلال بين يدي الرسول ﵊ في الجنة على عادته في اليقظة، لا يستدعي أفضليته على العشرة المبشرة بالجنة، بل هو سبق خدمة، كما يسبق العبد سيده. وفيه إشارة بقائه على ما هو عليه في حال حياته واستمراره على قرب منزلته: وذلك منقبة عظيمة لبلال.