(أوصاني خليلي)، ﷺ الذي تخللت محبته قلبي فصار في خلاله، أي: في باطنه.
وقوله هذا لا يعارضه قول النبي ﷺ: "لو كنت متخذًا خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر"، لأن الممتنع أن يتخذ هو، ﵊، غيره تعالى خليلاً، لا أن غيره يتخذه هو.
(بثلاث لا أدعهن) بضم العين، أي: لا أتركهن (حتى) أي: إلى أن (أموت: صوم ثلاثة أيام) البيض (من كل شهر) لتمرين النفس على نجس الصيام، ليدخل في واجبه بانشراح، ويثاب ثواب صوم الدهر بانضمام ذلك لصوم رمضان، إذ الحسنة بعشر أمثالها.
وصوم بالجر بدل من: ثلاث، وبالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: هي صوم. وصلاة ونوم التاليان معطوفان عليه، فيجران، أو يرفعان.
(وصلاة الضحى) في كل يوم، كما زاده أحمد: ركعتين، كما يأتي في الصيام، وهما أقلها، ويجزئان عن الصدقة التي تصبح على مفاصل الإنسان في كل يوم، وهي ثلثمائة وستون مفصلاً، كما في حديث مسلم، عن أبي ذر، وقال فيه: ويجزي عن ذلك ركعتا الضحى (ونوم على وتر) ليتمرن على جنس الصلاة في الضحى، كالوتر قبل النوم في المواظبة؛ إذ الليل وقت الغفلة والكسل، فتطلب النفس فيه الراحة.
وقد روي أن أبا هريرة كان يختار درس الحديث بالليل على التهجد، فأمره بالضحى بدلاً عن قيام الليل، ولهذا أمره ﵊ أنه: لا ينام إلا على وتر، ولم يأمر بذلك أبا بكر، ولا عمر، ولا غيرهما من الصحابة.
لكن، قد وردت وصيته ﵊ بالثلاث أيضًا لأبي الدرداء، كما عند مسلم، ولأبي ذر، كما عند النسائي، فقيل خصهم بذلك لكونهم فقراء لا مال لهم، فوصاهم بما يليق بهم، وهو الصوم والصلاة، وهما من أشرف العبادات البدنية.
فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة؟
أجيب: بأنه يتناول حالتي: الحضر والسفر، كما يدل عليه قوله: لا أدعهن حتى أموت، فحصل التطابق من أحد الجانبين، وهو الحضر، وذلك كاف في المطابقة.
وفي الحديث استحباب تقديم الوتر على النوم، لكنه في حق من لم يثق بالاستيقاظ، أما من وثق به، فالتأخير أفضل لحديث مسلم: "من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل" فإن أوتر ثم تهجد لم يعده، لحديث أبي داود، وقال الترمذي: حسن، لا وتران في ليلة.
ورواة حديث الباب بصريون إلا شعبة فإنه واسطي، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصوم، ومسلم والنسائي في: الصلاة.