بعمله لأن المثبت في الآية الدخول بالعمل المقبول، والمنفي في الحديث دخولها بالعمل المجرد عنه والمقبول إنما هو من رحمة الله تعالى، فآلى ذلك إلى أنه لم يقع الدخول إلا برحمته، ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في محله بعون الله وقوته وقد أشبعت الكلام عليه في الواهب فليراجع.
(قال عدّة) بكسر العين وتشديد الدال أي عدد (من أهل العلم) كأنس بن مالك فيما رواه الترمذي مرفوعًا بإسناد فيه ضعف، وابن عمر فيما رواه الطبري في تفسيره، والطبراني في الدعاء له، ومجاهد فيما رواه عبد الرزاق في تفسيره (في قوله تعالى) وفي رواية الأصيلي وأبي الوقت ﷿(فوربك) يا محمد (لنسألنهم) أي المقتسمين جواب القسم مؤكدًا باللام (أجمعين) تأكيد للضمير في لنسألنهم مع الشمول في افراد المخصوصين (عما كانوا يعملون عن لا إله إلاّ الله) وفي رواية عن قول لا إله إلا الله وسقط لأبوي ذر والوقت والأصيلي لفظ قول، ولفظ رواية ابن عساكر قال: عن لا إله إلا الله، لكن قال النووي: المعنى لنسألنهم عن أعمالهم كلها التي يتعلق بها التكليف، فقول من خص بلفظ التوحيد دعوى تخصيص بل دليل فلا تقبل انتهى.
ومراده كما قاله صاحب عمدة القاري: أن دعوى التخصيص بلا دليل خارجي لا تقبل، لأن الكلام عامّ في السؤال عن التوحيد وغيره، فدعوى التخصيص بالتوحيد يحتاج إلى دليل خارجي، فإن استدل بحديث الترمذي فقد ضعف من جهة ليث، وليس التعميم في قوله أجمعين حتى يدخل فيه المسلم والكافر لكونه مخاطبًا بالتوحيد قطعًا وبباقي الأعمال على الخلاف، فالمانع من الثاني يقول: إنما يسألون عن التوحيد فقط للاتفاق عليه، وإنما التعميم هنا في قوله ﴿عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُون﴾ [الحجر: ٩٣]. فتخصيص ذلك بالتوحيد تحكم، ولا تنافي بين هذه الآية وبين قوله تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ﴾ [الرحمن: ٣٩]. لأن في القيامة مواقف مختلفه وأزمنة متطاولة، ففي موقف أو زمان يسألون، وفي آخر لا يسألون أو لا يسألون سؤال استخبار بل سؤال توبيخ لمستحقه.
(وقال) الله تعالى وسقط لغير الأربعة لفظ وقال (لمثل هذا) أي لنيل مثل هذا الفوز العظيم ﴿فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُون﴾ [الصافات: ٦١]. أي فليؤمن المؤمنون لا للحظوظ الدنيوية المشوبة بالآلام السريعة الانصرام، وهذا يدل على أن الإيمان هو العمل كما ذهب إليه المصنف، لكن اللفظ عامّ ودعوى التخصيص بلا رهان لا تقبل. نعم إطلاق العمل على الإيمان صحيح من حيث أن الإيمان هو عمل القلب: لكن لا يلزم من ذلك أن يكون العمل من نفس الإيمان، وغرض البخاري من هذا الباب وغيره إثبات أن العمل من أجزاء الإيمان ردًّا على من يقول: إن العمل لا دخل له في ماهية الإيمان، فحينئذ لا يتم مقصوده على ما لا يخفى وإن كان مراده جواز إطلاق العمل على الإيمان فلا نزاع فيه لأن الإيمان عمل القلب وهو التصديق، وقد سبق البحث في ذلك.