وبالسند قال:(حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء، الزهراني، قال:(حدّثنا هشام بن أبي عبد الله الدستوائي) بفتح الدال والفوقية مع المدّ (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة، ﵁، قال: قال رسول الله ﷺ):
(إذا نودي بالصلاة، أدبر الشيطان وله) وللأصيلي، وابن عساكر: له (ضراط حتى لا يسمع الأذان) أي: أدبر وله ضراط إلى غاية لا يسمع فيها الأذان.
ويحتمل أن تكون: حتى، ليست لغاية الإبعاد في الإدبار، بل غاية للزيادة في الضراط، أي: أنه يقصد بما يفعله من ذلك تصميم أذنه عن سماع صوت المؤذن.
لكن يدل على أن المراد زيادة البعد ما في مسلم عن جابر مرفوعًا: إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة، ذهب حتى يكون مكان الروحاء. قال سليمان، يعني الأعمش، فسألته عن الروحاء، فقال: هي من المدينة على ستة وثلاثين ميلاً.
قال الطيبي: وشبه شغل الشيطان نفسه وإغفاله عن سماع الأذان بالصوت الذي يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره، ثم سماه ضراطًا تقبيحًا له.
(فإذا قضي الأذان) بضم القاف مبنيًا للمفعول، ولأبي ذر: قضى، بفتح القاف مبنيًّا للفاعل، والأذان نصب على المفعولية، أي: فرغ منه (أقبل) الشيطان. (فإذا ثوب بها) بضم المثلثة مبنيًا للمفعول، أي: أقيم (أدبر) الشيطان، (فإذا قضي التثويب) أي: فرغ من الإقامة (أقبل) الشيطان (حتى يخطر). قال القاضي عياض: بكسر الطاء، ضبطته عن المتقنين، وهو الوجه، يعني: يوسوس. وأكثر الرواة على الضم، ومعناه: السلوك والمرور أي: يدنو فيمر (بين المرء) الإنسان (ونفسه) فيذهله عما هو فيه (يقول: اذكر كذا وكذا -ما لم يكن يذكر- حتى يظل الرجل) بفتح الظاء أي: يصير (إن يدري) بكسر الهمزة، وهي نافية أي: ما يدري (كم صلى).
قال المهلب: وإنما يهرب الشيطان من سماع الأذان، ويجيء عند الصلاة، لاتفاق الكل على الإعلان بشهادة التوحيد وإقامة الشريعة، كما يفعل يوم عرفة لما روي من اتفاق الكل على شهادة التوحيد، وتنزل الرحمة، فييأس أن يردّهم عما أعلنوا به من ذلك، ويوقن بالخيبة بما تفضل الله به عليهم من ثواب ذلك، لئلا يسمعه، ويذكر معصية الله ومصادمة أمره، فلا يملك الحدث لما حصل له من الخوف. اهـ.
وقيل: لئلا يسمع الأذان، فيضطر إلى أن يشهد له يوم القيامة، لقوله ﵊: لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة.